وكان المأمون متّكئا، فجلس وقال:[١٦٨]- «الشتم عىّ والبذاء لؤم. [١] وقد أبحنا الكلام، فمن قال الحقّ حمدناه ومن جهل وقفناه. فاجعلا بينكما أصلا ترجعان إليه.» فعادا إلى المناظرة وعاد محمد لعلىّ بالسفه. فقال علىّ:
- «لولا جلالة مجلسه وما وهب الله من رأفته وما نهى عنه آنفا، لعرّقت جبينك. وكفاك من جهلك غسلك المنبر بالمدينة.» فجلس المأمون وكان متّكئا فقال:
- «وما غسلك المنبر، ألتقصير منّى فى أمرك أم لتقصير المنصور فى أمر أبيك؟ لولا أنّ الخليفة إذا وهب استحى أن يرجع فيه لكان أقرب شيء بيني وبينك إلى الأرض رأسك. قم، وإيّاك ما عدت.» فخرج محمد بن أبى العبّاس ومضى إلى طاهر وهو زوج أخته، فقال له:
- «كان من قصّتى كيت وكيت.» وكان يحجب المأمون على الشراب فتح الخادم وحسين يسقيه. فركب طاهر إلى الدار ودخل فتح يستأذن له، فقال المأمون:
- «إنّه ليس من أوقاته ولكن ائذن له.» فدخل طاهر فسلّم، فردّ عليه السلام وقال:
- «اسقوه رطلا.» فأخذه فى يده اليمنى وقال له:
- «اجلس.» فجلس وشربه، ثمّ شرب المأمون وقال:
- «اسقوه الثاني.»
[١] . فى الأصل: والبذا لوم، من دون همز. انظر الطبري (١١: ١٠٤٠) .