للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: «تصنع أن تقول: أحتال يا أمير المؤمنين فى ذلك فتدفع [١] عنك أيّاما ثمّ تحمل إليه بعض ما يطلب وتسوّفه الباقي.» قال: «نعم أفعل وأصير إلى ما أشرت به.» قال: فو الله لكأنّى كنت [٢١٠] أغريه بالمنع. فكان إذا عاود مثل ذلك القول عاد إلى مثل ما يكره من الجواب.

وكان مع المعتصم رجل مضحك يستخفّ روحه وكان قديم الصحبة له يقال له: إبراهيم الهفتىّ، فأمر له بمال وتقدّم إلى الفضل بن مروان فى إعطائه فلم يعطه الفضل شيئا. فبينا الهفتىّ يوما يتمشّى مع المعتصم فى بستان داره التي بنيت له ببغداد، وقد نقل إليه أنواع من الرياحين والغروس [٢] ، وكان الهفتىّ يصحب المعتصم قبل أن تفضى إليه الخلافة، فيقول له فيما يداعبه:

- «والله لا أفلحت.» وكان الهفتى مربوعا ذا كدنة والمعتصم رجلا معرّقا خفيف اللحم فجعل المعتصم يسبق الهفتىّ فى المشي فإذا تقدّمه ولم ير الهفتىّ معه التفت إليه فقال له:

- «ما لك لا تمشى؟» يستعجله.

فلمّا كثر ذلك من أمر المعتصم على الهفتى قال له الهفتىّ مداعبا له:

- «أصلحك الله، كنت أرانى أماشى خليفة ولم أكن أرانى أماشى فيجا [٣] والله لا أفلحت.» فضحك المعتصم وقال:


[١] . كذا فى الأصل ومط. فى آ: فتدافع.
[٢] . فى آ: الغروش (بالشين المعجمة) .
[٣] . الفيج: رسول السلطان الذي يسعى على رجليه، والكلمة معرّبة عن «پيك» الفارسية، التي أصبحت فى الإنجليزية والفرنسية Page:وبنفس المعنى.

<<  <  ج: ص:  >  >>