وفى غد هذا اليوم اجتمع قوم من رجّالة الجند وكثير من العامّة. أمّا الجند فطلبوا أرزاقهم وأمّا العامّة فشكت سوء الحال التي هم بها من الضيق وغلاء السعر وشدّة الحصار وقالوا:
- «إمّا خرجت فقاتلت وإمّا تركتنا نمضي فى البلاد.» فوعدهم الخروج أو فتح الباب للصلح ورفق بهم ومنّاهم، ثمّ اجتمع الجند والناس من العوامّ مرّة أخرى، وكان ابن طاهر قد شحن الجزيرة بالخيل وكذلك باب داره والجسر، فحصر الجزيرة بشر كثير فطردوا من كان ابن طاهر رتّبهم فيها.
ثمّ صاروا إلى الجسر فطردوا من كان هناك من أصحاب ابن طاهر وصاروا إلى الحبس فمانعهم أبو مالك الموكّل بالمحبس الشرقي فشجّوه وجرجوا دابّتين لأصحابه فدخل داره وخلّاهم فانتهبوا ما فى مجلسه. [٤٠٠] ثمّ عبر إليهم محمد بن أبى عون فضمن للجند رزق أربعة أشهر فانصرفوا.
ووجّه أبو أحمد خمس سفائن من دقيق وحنطة وشعير وقتّ إلى ابن طاهر فوصلت إليه، ثمّ علم الناس بما عليه ابن طاهر من خلعه المستعين وبيعته للمعتزّ ووجّه ابن طاهر قوّاده إلى أبى أحمد حتّى بايعوه للمعتزّ فخلع على كلّ واحد منهم أربع خلع، وظنّت العامّة أن الصلح جرى بأنّ الخليفة المستعين وانّ المعتزّ ولى عهده بعده.
فلمّا كان بعد ذلك خرج رشيد بن كاوس مع قائدين آخرين ووجّهوا إلى الأتراك بأنّه على المصير إليهم ليكون معهم فوافاه من الأتراك زهاء ألف فارس فخرج إليهم على أنّ الصلح قد وقع فسلّم عليهم وعانق من عرف منهم وأخذوا بلجام دابّته ومضوا به وبابنه فى إثره. فلمّا كان من الغد صار رشيد إلى باب الشمّاسية وقال حين كلّم الناس: