جبل بها من الفضاء، قدر ممرّ رجل أو دابّة، لا يمكن أن يمرّ فيه أكثر من واحد من ضيقه. فأقام فى ذلك الموضع وضرب عسكره على شاطئ الكرّ ممّا يلي شيراز، وأخرج معه السوقة والتجّار من مدينة شيراز إلى معسكره وقال:
- «إن جاء يعقوب لم يجد موضعا يجوز فيه الفلاة إلينا لأنّه لا طريق له إلّا ذلك الفضاء الذي بين الجبل والكرّ وإنّما هو ممرّ رجل إذا قام عليه رجل واحد منع من يريد أن يجوزه وإذا لم يقدر أن يجوز إلينا بقي فى البرّ بحيث لا طعام له ولا لأصحابه ولا علف لدوابّهم.» فأقبل يعقوب حتّى قرب من الكرّ، فأمر أصحابه بالنزول أول يوم على نحو ميل من الكرّ ممّا يلي كرمان. ثمّ أقبل هو وحده بيده رمح عشاري، ما معه إلّا رجل واحد. فنظر إلى الكرّ والجبل والطريق، وتأمّل عسكر علىّ بن الحسين، فجعل أصحاب علىّ يشتمونه ويقولون:
- «لنردنّك إلى تشعيب [١] القماقم والمراجل يا صفّار.» وهو ساكت لا يردّ عليهم شيئا. فلمّا تأمّل كلّ ما أراد [٤٢٩] ورآه انصرف راجعا إلى أصحابه. فلمّا كان من الغد عند الظهر أقبل بعسكره ورجاله حتّى صار إلى شاطئ الكرّ ممّا يلي برّ كرمان فأمر أصحابه فنزلوا عن دوابّهم وحطّوا أثقالهم.
ثمّ فتح صندوقا كان معه والناس ينظرون إليه فأخرجوا منه كلبا ذئبيّا، ثمّ ركبوا دوابّهم أعراء وأخذوا رماحهم بأيديهم. قال: وقيل ذلك ما قد عبّأ علىّ بن الحسين أصحابه وأقاموا صفوفا على الممرّ الذي بين الجبل والكرّ، وهم يرون أنّه لا سبيل ليعقوب ولا طريق له يمكنه أن يحوزه غيره، ثمّ جاءوا
[١] . فى الطبري (١٢: ١٧٠٣) : إلى شعب المراجل. التشعيب والشعب: الإصلاح.