للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: «قل.» قلت: «تخبرني عن سبب طاعته لك مع تهاونه بأكثر أهل هذه الدولة؟» فقال: «يا هذا، قد بلغت مرادك، فلا تقطعني عن شغلي ومعاشي.» تفألححت عليه.

قال: «أنا رجل أؤمّ وأقرأ [١] فى هذا المسجد منذ أربعين سنة، ومعاشي من هذه الخياطة، وكنت منذ دهر قد صلّيت المغرب، وخرجت أريد منزلي، فاجتزت برجل تركىّ كان فى هذه الدار وقد تعلّق بامرأة مجتازة وكانت جميلة، وأدخلها إلى داره وهي تستغيث وليس أحد يغيثها.» [٢١] قال: «فرفقت بالتركىّ وسألته تركها، فضرب رأسى بدبّوس وشجّنى وشتمني، ويئست من المرأة وخلاصها، وصرت إلى المنزل وغسلت الدم وشددت الشجّة واستروحت، وخرجت أصلّى العشاء الآخرة. فلمّا فرغنا قلت لمن حضر: قوموا معى إلى عدوّ الله، هذا التركىّ، لننكر عليه ولا نبرح حتّى نخرج المرأة. فقاموا معى وجئنا وصحنا على بابه فخرج إلينا فى عدّة من غلمانه، وقصدني من بين الجماعة فضربني ضربا مبرّحا كدت أتلف منه.

فحملني الجيران إلى منزلي وعالجنى أهلى ونوّمت فلم أنم إلى نصف الليل.

فقلت فى نفسي هذا قد شرب إلى الآن ولا يعرف الأوقات، فلو أذّنت لوقع له أنّه الفجر، فلعلّه يطلق عن المرأة. وكانت المرأة لمّا تعلّق بها قالت: إنّ زوجي قد حلف بطلاقى ألّا أبيت عن منزلي وأعظم ما علىّ أن أطلّق وأبين منه فطمعت أن تلحق المرأة بمنزلها قبل الفجر وتسلم من أحد المكروهين.

فخرجت متحاملا حتّى صعدت المنارة، فأذّنت وجلست أتطلّع منها إلى الطريق أرقب خروج المرأة، فإن خرجت وإلّا أقمت الصلاة لئلا يشكّ فى


[١] . فى مط: أقرئ.

<<  <  ج: ص:  >  >>