- «إمّا أن يكون كسرى قد تغيّر لى وكره موضعي، أو يكون قد اختلط عقله بصرف مثلي وأنا في بحر العدوّ.» فدعا الأصحاب وقرأ عليهم الكتاب فأنكروه. فلمّا كان بعد ثلاثة أيّام، أوصل الكتاب الثاني بالمقام، وأوهمه أنّ رسولا [٢٥٩] ورد به، فلمّا قرأه قال:«هذا تخليط.» ولم يقع منه موقعا، ودسّ إلى ملك الروم من ناظره في إيقاع صلح بينهما، على أن يخلّى الطريق لملك الروم، حتّى يدخل بلاد العراق على غرّة من كسرى، وعلى أنّ لملك الروم ما تغلّب عليه من دون العراق، وللفارسي ما وراء ذلك إلى بلاد فارس.
فأجابه ملك الروم إلى ذلك وتنحّى الفارسي عنه في ناحية من الجزيرة، وأخذ أفواه الطرق، فلم يعلم كسرى حتّى ورد خبر ملك الروم من ناحية قرقيسياء [١] ، وكسرى غير معدّ، وجنده متفرّقون في أعماله. فوثب من سريره مع قراءة الخبر وقال:
- «هذا وقت حيلة لا وقت شدّة.» وجعل ينكت في الأرض مليّا. ثمّ دعا برقّ، وكتب فيه كتابا صغيرا بخطّ دقيق إلى صاحبه بالجزيرة يقول فيه:
- «قد علمت ما كنت أمرتك به من مواصلة صاحب الروم، وإطماعه في نفسك وتخلية الطريق له حتّى إذا تولّج في بلادنا أخذته من أمامه وأخذته أنت ومن ندبناه لذلك من خلفه، فيكون ذلك بواره، وقد تمّ في هذا الوقت ما دبّرناه، وميعادك [٢٦٠] في الإيقاع به يوم كذا!» ثمّ دعا راهبا كان في دير بجانب مدينته وقال له:
- «أىّ جار كنت لك؟»
[١] . في الأصل: قرقيسا. وقرقيسياء: بلد على الخابور عند مصبّه، وهي على الفرات، جانب منها على الخابور، وجانب آخر فوق رحبة مالك بن طوق (مع. (C.I.S) Circesium (