عرف محمّد بن مسافر ذلك تحيّر فى أمره وحصل فى القلعة التي كان قصدها وحيدا قد فرّق بينه وبين نعمته.
فلمّا وصل علىّ بن جعفر كاتب ديسم إلى هذه الصورة اعتصم بالمرزبان وأطمعه فى أذربيجان فضمن له أن يملكه إيّاها فيوصله إلى أموال جليلة من ارتفاعها من وجوه يعرفها. فنفق عليه وقرب من قلبه وقلّده وزارته واتّفقا مع ذلك على عصمة فى الدين. وذاك أنّ علىّ بن جعفر كان من دعاة الباطنية وكان المرزبان معهودا فيهم فأذن له المرزبان أن يدعو إلى هذا المذهب ظاهرا. فاجتمع له كل ما أراده.
وكاتب عسكر ديسم وكان يعرف من استوحش من ديسم [٦٧] ومن هو غير راض عنه ومن لا يرضى مذهب ديسم لأنّ ديسما كان يرى رأى الشراة وكذلك كان أبوه وكان يصحب هارون الشاري أعنى أباه. فلمّا قتل هرب إلى أذربيجان وتزوّج إلى رئيس من أكرادها فولد ديسم فاصطنعه ابن أبى الساج وارتقى معه إلى ما ارتقى إليه.
ولم يزل علىّ بن جعفر يضعضع [١] أركانه ويفسد قلوب أصحابه وخاصة الديلم إلى أن استجاب له أكثر أصحابه وكاتبوه وقالوا:
- «إن صار إلينا المرزبان فارقنا ديسما بأجمعنا.» فلمّا وثق المرزبان بذلك من ثبات أصحاب ديسم سار إلى أذربيجان وسار إليه ديسم. فلمّا صافّه الحرب قلب الديلم تراسهم فى وجهه وصاروا إلى المرزبان وكانوا نحو ألفى رجل واستأمن معهم كثير من الأكراد وحمل عليه المرزبان ففرّق عنه من بقي معه وانهزموا وهرب فى طائفة يسيرة إلى أرمينية واعتصم بجاجيق بن الديراني لمودّة كانت بينهما، فأحسن ضيافته
[١] . يضعضع: كذا فى الأصل ومط. والمثبت فى مد: يصعصع. ولكليهما معنى يناسب العبارة.