للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فنزل منها على زرّين روذ ليكون وصول ركن الدولة إليه مع عسكره، وقد قطعوا المفازة ومسّهم التعب والعطش ولا يصلون إلى الماء. فرأى ركن الدولة أن يعدل إلى خان النجان [١] ليلزم سمت قرى زرين روذ ولا يعدم الماء واتصل ذلك بابن قراتكين فانقلب عن موضعه معترضا له لئلا يملك عليه ظهره. فالتقيا فى الموضع المعروف بالروذبار وبينهما زرّين روذ ولكنّه يخيض ولا يمنع الراجل ولا الفارس [١٨٦] العبور وذاك أن الفصل كان ضيّقا. فدامت الحرب بينهما سبعة أيّام واشتدت فى اليوم السادس خاصة ثم انهزم ابن قراتكين فى اليوم السابع.

وعاد الحديث إلى حكاية أبى الفضل ابن العميد- رضى الله عنه- عن هذه الوقعة. حكى أنّه لحقه وركن الدولة وسائر الجيش من الاضاقة وعوز الميرة والعلوفات وتعذّر جميع الأقوات ما لم يلحقها مثله وذاك أن الأكراد أحدقوا بنا فلم يتمكّن أحد من اطّلاع رأسه عن المعسكر.

وانقطعت عنّا المواد وكنا نصل إلى أقواتنا مما تحمله الأكراد إلينا ويبيعوناه بأوفر الأثمان وكذلك العلوفات فكان يجيئنا الكردي بجراب أو مخلاة أو وعاء فيه دقيق فيبيعناه بحكمه فإذا أخذناه ونفضناه وجدنا قدر الدقيق فيه مقدار ما رأيناه فى رأس الوعاء وأسفله كلّه تراب ثم يختلط ذلك القدر اليسير بالتراب فلا ينتفع بشيء منه وكذلك يفعل بالشعير والحنطة وكانت لهم حيل تجرى هذا المجرى كثيرة.

قال: فكنّا ننحر الجمل أو الدابّة فنتوزّع لحمه بين عدد كبير ونتبلّغ به على عادة الديلم وصبرهم على المجاعة والشدّة فى الحرب وكان أعداؤنا الأتراك فى مثل حالنا إلّا أنّهم لا يصبرون كما نصبر ولا [١٨٧] يقنعون بما


[١] . كذا فى الأصل: النجان. فى مط: النجار.

<<  <  ج: ص:  >  >>