شيئا كثيرا، ولكنّى ما سمعت منه عن أبى جعفر غير هذا الكتاب، بعضه قراءة عليه، وبعضه إجازة لى، وكان ينزل في شارع عبد الصمد، ولى معه اجتماع كثير.» ٢. نفائس المكتبات: لم يكتف مسكويه بالطبرى، حتى بالنسبة إلى القسم الذي قلنا إنّه عوّل فيه عليه تعويلا كليّا (العصر الفيشداذى إلى سنة ٢٩٥) ، بل أورد في تاريخه نصوصا إيرانيّة عديمة النظير لا نجدها لا عند الطبري ولا عند غيره من كبار المؤرخين من أمثال المسعودي وابن الأثير ومن إليهما، ونخصّ بالذكر عهد أردشير الذي يعتبر من أقدم النصوص الإيرانية المدوّنة التي وصلت إلينا، وكذلك السيرة الذاتيّة لأنوشروان، وخطبته المشحونة، اللتين نقلهما مسكويه عن كتاب كتبه أنوشروان نفسه في سيرته.
من أين أتى مسكويه بهذه النصوص وغيرها ممّا تفرّد بنقلها بين المؤرّخين؟ إنّه كان خازنا لمكتبات البويهيين من أمثال ابن العميد، وابنه أبى الفتح، وعضد الدولة. لقد دامت صحبته أو خزانته سبع سنين لابن العميد فقط (تجارب الأمم ٦: ٣١٥) ، وكان لفهرس مكتبة ابن العميد ١٠٥٦ ورقة (٤٤ كراسة لكلّ منها ٢٤ ورقة- متز ١: ٢٩٧) ولم يثبت في هذا الفهرس إلّا أسماء الكتب، وقد اجتمعت في تلك المكتبة كلّ أنواع العلوم والحكم والآداب، تحمل على مائة وقر وزيادة (تجارب الأمم ٦: ٢٦٢) . وعن مكتبة عضد الدولة حكى لنا المقدسي (الذي كان يختلف إليها، فلا جرم أنّه زار مسكويه أيضا) حيث قال عند وصفه لدار عضد الدولة بشيراز وغرفها وعجائبها:
« ... وخزانة الكتب، عليها وكيل وخازن ومشرف من عدول البلد، ولم يبق كتاب صنّف إلى وقته من أنواع العلوم كلّها إلّا وحصّله فيها، وهي أزج طويل، في صفّة كبيرة، فيه خزائن من كلّ وجه، وقد ألصق إلى جميع حيطان الأزج والخزائن بيوتا طولها قامة في عرض ثلاثة أذرع من الخشب المزوّق، عليها أبواب تنحدر من فوق، والدفاتر منضّدة على الرفوف، لكلّ نوع بيوت وفهرستات، فيها أسامى الكتب لا يدخلها إلّا وجيه ... »(المقدسي: ٤٤٩) .
فلا شكّ أنّ مسكويه استفاد من هذه المكتبات كثيرا من علمه والمواد التاريخيّة التي أوردها في كتابه ممّا لا يوجد عند سائر المؤرّخين سواء ما أضافه في تاريخ ما قبل الإسلام