للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- «إنّه ليس في التعبئة تعبئة أكثر في رأى العين من الكراديس [١] . فجعل القلب كراديس كثيرة، وأقام فيها أبا عبيدة، وجعل الميمنة كراديس، وعليها عمرو بن العاص، وجعل الميسرة كراديس، وعليها يزيد بن أبى سفيان، وجميعها ستّة وثلاثون كردوسا. وفي الجماعة ألف رجل من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه- فيهم نحو من مائة من أهل بدر. وكان أبو سفيان يدور ويحرّض الناس.

فقال رجل لخالد: «ما أقلّ المسلمين وأكثر الروم!» فقال خالد: «ما أكثر المسلمين وأقلّ الروم، إنّما تكثر الجنود بالنصر، وتقلّ بالخذلان، لا بعدد الرجال. والله، لوددت أنّ الأشقر براء من توجّيه [٢] ، وأنّهم أضعفوا [٣] في العدد.» وكان فرسه قد حفى [٤] في مسيره.

ثمّ أنشب القتال والتحم [٣١٣] الناس وتطارد الفرسان. فإنّهم على ذلك، إذ قدم البريد من المدينة. فأخذته الجنود، وسألوه الخبر. فلم يخبرهم إلّا بسلامة، وأخبرهم عن أمداد، وإنّما جاء بموت أبى بكر وتأمير أبى عبيدة، فأبلغوه خالدا، فأخبره الخبر، وأسرّه إليه، وأخبره بما قال للجند، فقال:

- «أحسنت، فقف.» وأخذ الكتاب، فجعله في كنانته وخاف- إن أظهر ذلك- أن ينتشر أمر الجند.

وجدّ خالد في القتال، وصلى الناس الأولى والعصر إيماء، وتضعضع الروم، ونهد خالد بالقلب، حتى كان بين خيلهم ورجلهم.

وكان موضعهم الذي اختاروه للقتال واسع المطّرد، وضيّق المهرب. فلمّا وجدت خيلهم مهربا ذهبوا وتركوا رجلهم في مصافّهم، وخرجت خيلهم تشتدّ


[١] . الكراديس: جمع مفرده الكردوس والكردوسة: طائفة عظيمة من الخيل والجيش.
[٢] . التوجّى: رقة القدم أو الحافر أو الخفّ من كثرة المشي (مو) .
[٣] . أضعفوا: جعلوا ضعفين.
[٤] . حفى: مشى بلا نعل ولا خفّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>