ووصّاه بمداراة الديلم وإزاحة عللهم عند أوقات استحقاقاتهم لئلّا يخرقوا هيبته بالشغب وطلب الفتن. ووصّاه بالإحسان إلى الأتراك فإنّهم جمرة عسكره وإذا [٢٩٩] رابه من الديلم ريب أمكنه أن يقمعهم به. ووصّاه بعد الإحسان إلى الأتراك بكبار الحاشية وصغارهم وأن يجريهم على عادتهم ورسومهم.
فخالف هذه الوصايا كلّها واشتغل باللهو واللعب ومعاشرة المساخر والمغنّين والنساء، وأوحش كاتبيه وضرّب بينهما حتى استوحشا جميعا منه وطمع فى إقطاعات كبار حاشيته وفى سبكتكين خاصّة وهو صاحب جيشه وكان معزّ الدولة وصّاه بألّا يقطع أمرا دونه وكان ذا أرب وسياسة وله رئاسة فى العسكر قديمة متمكنة يهابه الجميع ويطيعونه، واحتجب عن عسكره بما ذكرته من الشغل باللعب والسكر الدائم.
وابتدأ بمناوأة عضد الدولة، وذلك أنّه منع صاحبه المقيم ببغداد من شرى الدوابّ وآلات خدمته التي [١] كان يستدعيها وجرت عادته بالتمكن منها وترك استشارة عمّه ركن الدولة فى كلّ ما عرض له.
عاقبة ذلك فكان من عاقبة ذلك أن سبكتكين صاحب جيشه لما أحسّ بطمعه فيه وفى نعمته انقبض عنه فصار لا يركب إليه ولا يثق، به واقتصر على التراسل على أيدى المتوسطين وكان لسبكتكين أصحاب أخبار فى العسكر وفى دار بختيار خاصّة وله عيون وجواسيس من خاصّة حاشيته وبطانته فكان لا يخفى عليه شيء من حركاته [٣٠٠] فضلا عن تدابيره.