للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومع ذلك فإنّ هؤلاء المدبّرين كانوا لا يتمكنون من الفكر فى وجوه الحيل لكثرة من يزدحم عليهم من الجند- أعنى الديلم والأتراك- وخاصة من يطالبهم بالمحالات فيهربون منهم ويتواعدون من الليل إلى مواضع غامضة يجتمعون فيها وربما خرجوا إلى الصحراء ويجتمعون على ظهور دوابّهم ويثنون أرجلهم على أعناقها بقدر ما يديرون [١] الرأى فى وجه الحيلة واقامة وظيفة ذلك اليوم فإذا تمّ لهم ذلك فهو عيدهم ونشاطهم وغاية كفايتهم فى صناعتهم.

فلمّا تولى الأستاذ الرئيس ابن العميد- رحمه الله [٢]- وزارة الأمير ركن الدولة استقام الأمر حتى رأيناه يركب إلى ديوانه من دار السلطان ولا يلقاه غير خاص كتّابه ثم يلقى صاحبه فلا يدور بينهما إلّا عوارض المهم الذي لا يخلو [٣] من مثله ملك ووزير، وضبط أعماله ونظم أموره ورتّب أسباب خدمته حتى كان أكثر نهاره مشغولا بالعلم وأهله. وبسط عدله وأقام هيبته فى صدور الجند [٣٥٧] والرعية حتى كان يكفيه رفع الطرف إلى أحدهم على طريق الإنكار فترتعد الفرائص وتضطرب الأعضاء وتسترخي المفاصل.

وقد شاهدت من ذلك مواقف كثيرة لو شرحتها لأطلت هذا الفصل إطالة تخرج عن غرض الكتاب. ولولا أنّ صاحبه كان لا يستجيب إلى عمارة نواحيه كما حكيته فى أول هذا الجزء خوفا من إخراج درهم واحد من الخزانة ويقنع بارتفاع ما يحصل للوقت ويرى أنّ دولته مقرونة بدولة الأكراد فلذلك لا يمنعهم من العيث ولا يطلق يد حماة الأطراف فى قصدهم ويرضى أن يقال له:


[١] . كذا فى الأصل: يديرون. فى مط: يدبرون. وما فى مد أيضا: يدبرون (خلافا للأصل) .
[٢] . فى مط: رضى الله عنه.
[٣] . فى مط: يخلو. بدل «لا يخلو» .

<<  <  ج: ص:  >  >>