وأمر بأن يكتب إلى سائر ولاة البلاد بقتل أرجوان وتسكينهم فى أعمالهم ونفّذت الكتب وسكن الناس وأمن ما خيف من الفتنة. وكان ذلك فى سنة تسع وثمانين وثلاثمائة.
ومضى أرجوان كأنّه لم يكن ولو علم أنّ هلاكه على يد الحاكم لأقصر عن ذلك الاجتهاد فى حفظه.
وربّ حافظ دواء داؤه فيه، وحامل سلاح حتفه به، وضنين بذخر وباله منه. ومع الأحوال كلّها فالإفراط [٣٣٣] فى منع الملوك عن شهواتهم جناية، والإقصار عمّا يلزم من نصحهم خيانة، لكن بشرط الإقتصاد. وقد قيل: كثرة المراقبة نفاق، وكثرة المخالفة شقاق. وكم من شفيق على الملوك قد هلك بفرط شفقته وحبيب صار بغيضا بكثرة نصحه.
ولم يبعد العهد بما شوهد من فعل الملك أبى كاليجار بخادمه المتلقّب بالمؤيد وقصته مناسبة لقصة أرجوان.
وما أحسن الرواية التي تروى عن المأمون رضوان الله عليه، حين سأل جلساءه عن أرفه الناس. فقال كل واحد منهم قولا لم يعجبه فقال المأمون:
- «أرفه الناس عيشا رجل أتاه الله كفاية لا يعرفنا ولا نعرفه.» وقال بعض العقلاء:
- «مثل السلطان كمثل النار. فلا تقرب منها قربا تباشر فيه لهبا، ولا تعبد عنها بعدا تفقد معه ضوءها.» وجملة القول، أنّ القرب من الملوك عزّ مع تعب، والبعد منهم ذلّ مع راحة، والعيش فى الخمول، وتختلف الطباع فى هذا الاختيار، وكلّ امرئ ميسّر لما خلق له.