ولما كان من الليل، خرج علىّ يعبّئ الناس ليلته كلّها حتى إذا أصبح زحف الناس، وخرج إليه معاوية في أهل الشام. فجعل علىّ يقول:«من هذه القبيلة» ، و «من هذه الكتيبة؟»[٥٨٢] فتنسب له، حتى إذا عرفهم ورأى مراكزهم، قال للأزد:«أكفونى الأزد.» وقال لخثعم: «أكفونى خثعم.» وأمر كلّ قبيلة أن تكفيه أختها، وإذا لم يجد لقبيلة منهم أختها سمّى لها قبيلة أخرى. ثم تناهض الناس يوم الأربعاء، فاقتتلوا نهارهم كلّه، وانصرفوا عند المساء وكلّ غير غالب.
حتى إذا كان يوم الخميس، وهو التاسع، صلّى علىّ بغلس [١] ، فيقال: إنه لم يغلّس أشدّ من تغليسه يومئذ. ثم خرج بالناس. وكان علىّ- عليه السلام- يبدأ القوم بالمسير إليهم. فإذا رأوه وقد زحف استقبلوه بوجوههم.
فلما صلّى علىّ، دعا دعاء كثيرا، وقال في آخر دعائه:
«اللهمّ إن أظهرتنا على عدوّنا فجنّبنا البغي، وسدّدنا للحقّ، وإن أظهرتهم علينا فارزقني الشهادة، واعصم بقيّة أصحابى من الفتنة.» ثم خرج وعلى ميمنته عبد الله بن بديل، وعلى ميسرته عبد الله بن العباس وقرّاء أهل العراق مع ثلاثة نفر: مع عمار بن ياسر، ومع قيس بن سعد، ومع عبد الله بن بديل، والناس على راياتهم وعلىّ في القلب في أهل المدينة بين أهل الكوفة وأهل البصرة وأكثر من معه من أهل المدينة، الأنصار. ثم زحف إليهم بالجمع.
ورفع معاوية قبّة [٥٨٣] عظيمة وقد ألقى عليها الكرابيس، وبايعه عظم أهل الشام على الموت، وبعث إلى خيل أهل دمشق، فأحاطت بقبّته، وزحف عبد الله بن بديل في الميمنة نحو حبيب بن مسلمة، فلم يزل يحوزه ويكشف خيله من الميسرة حتى اضطرّهم إلى قبّة معاوية عند الظهر، وحضّ عبد الله بن بديل