فأخذت الخيل تحمل، وأصحاب الحسين تثبت، وإنّما [١١١] هم اثنان وثلاثون فارسا.
فقال عمر:
- «ليتقدّم الرماة إلى هذه العدّة اليسيرة، فليرشقوهم بالنبل.» فتقدّموا، فلم يلبّثوهم أن عقروا خيلهم، فصاروا كلّهم رجّالة. وقاتلوا قتالا لم ير أعظم منه ولا أشدّ، إلّا أنهم كانوا إذا صرع الواحد منهم أو الإثنان تبيّن ذلك عليهم، وإذا قتلوا أضعاف عدّتهم من أولئك لم يتبيّن عليهم.
ووصل الناس إلى الحسين، وقاتل بين يديه كلّ من استهدف للنبل، فرمى يمينا وشمالا، حتّى سقطوا، وجعل أصحابه يستقتلون بين يديه، ويسلّمون على الحسين، ويودّعونه، ثمّ يقاتلون حتّى يقتلوا.
فكان أوّل من قتل من بنى أبى طالب علىّ الأكبر بن الحسين بن علىّ، ثمّ عبد الله بن مسلم بن عقيل، ثمّ محمد بن عبد الله بن جعفر بن أبى طالب، ثمّ جعفر بن عقيل بن أبى طالب.
قال: ثمّ رأينا غلاما كان وجهه شقّة قمر، فى يده سيف، وعليه قميص ونعلان، وقد انقطع شسع أحدهما. فحمل عليه رجل، فضربه بالسيف على رأسه، فوقع الغلام لوجهه، وصاح:
- «يا عمّاه!» فجلّى الحسين كما يجلّى الصقر، ثمّ شدّ على الرجل بسيفه، فاتّقاه فضرب ساعده، [١١٢] فأطنّها [١] من المرفق وتنحّى عن الغلام، وانجلت الغبرة، فرأيت الحسين قائما على رأس الغلام، والغلام يفحص برجله الأرض، والحسين يقول: