وجاءت الخوارج حتّى انتهت إلى الجسر الأصغر عليهم عبيد الله بن الماحوز، فخرج إليهم المهلّب فى أشراف الناس وفرسانهم ووجوههم، فحاربهم عن الجسر ودفعهم عنه، فكان أوّل شيء دفعهم عنه البصرة، ولم يكن بقي لهم إلّا أن يدخلوها، فارتفعوا إلى الجسر الأكبر. ثمّ عبّى لهم، فسار فى الخيل والرجال، فلما رأوا أن قد أظلّ عليهم وانتهى إليهم ارتفعوا فوق ذلك مرحلة أخرى، فلم يزل يحوزهم مرحلة بعد مرحلة، ومنزلة بعد منزلة، حتّى انتهوا إلى منزل من منازل الأهواز يقال له: سلّى وسلّبرى [١] ، فأقاموا به.
ولما بلغ حارثة بن بدر الغدانى أنّ المهلّب قد أمّر على قتال الأزارقة، قال لمن اتبعه وبقي معه من الناس:
كرنبوا ودولبوا ... وحيث شئتم فاذهبوا
قد أمّر المهلّب
فأقبل من كان معه نحو البصرة، فصرفهم الحارث بن عبد الله بن أبى ربيعة إلى المهلّب. ولما نزل المهلّب بالقوم، خندق عليه، ووضع المسالح، وأذكى العيون، وأقام [١٧٢] الأحراس، ولم يزل الجند على مصافّهم والناس على راياتهم وأخماسهم، وأبواب الخنادق عليها رجال موكّلون بها، فكانت الخوارج إذا أرادوا بيات المهلّب وجدوا أمرا محكما وثيقا شديدا، فرجعوا ولم يقابلهم انسان قطّ كان أشدّ عليهم منه، ولا أغيظ لقلوبهم منه.
فمن ذلك أنهم بعثوا عبيدة بن هلال والزبير بن الماحوز فى خيلين عظيمين
[١] . سلّى وسلّيرى: كذا فى الأصل. وفى مط: سلى وسلرى. وفى ياقوت ص (٢٣٢ و ٢٤٤) : سلّى وسلّبرى، وعن محمد بن موسى: سلّى، ومجموع اللفظين موضع واحد من نواحي خوزستان قرب جندي سابور.