للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليلا إلى معسكر المهلّب، فجاء الزبير من جانبه الأيمن، وعبيدة من جانبه الأيسر، ثمّ كبّروا وصاحوا بالناس، فوجدوهم على تعبئتهم ومصافّهم حذرين معدّين.

فلما ذهبوا ليرجعوا، ناداهم عبيد الله بن زياد بن ظبيان، فقال:

وجدتمونا وقرا أنجادا ... لا كشفا خورا ولا أوغادا

فردّوا عليه وتشاتموا. فلما أصبح الناس أخرجهم المهلّب على تعبئتهم، وأخماسهم، ومواقفهم، وخرجت الخوارج على مثل ذلك من التعبئة، إلّا أنّهم أحسن عدّة، وأكرم خيولا، وأكثر سلاحا من أهل البصرة، وذلك أنّهم مخروا الأرض وجرّدوها، وأكلوا ما بين كرمان إلى الأهواز، فجاءوا وعليهم مغافر تضرب إلى صدورهم، [١٧٣] وعليهم دروع يسحبونها، وسوق من زرد يشدّونها بكلاليب الحديد إلى مناطقهم، والتقى الناس، وقاتلوا كأشدّ القتال، فصبر بعضهم لبعض عامّة النهار.

ثمّ إنّ الخوارج شدّت على الناس أجمعها شدّة منكرة، فأجفل الناس وانصاعوا منهزمين لا يلوى امرؤ على ولد، حتّى بلغ البصرة هزيمة الناس، وخافوا السبي، وأسرع المهلّب حتّى سبقهم إلى مكان يفاع فى جانب سنن المنهزمين، ثمّ نادى الناس:

- «إلىّ إلىّ عباد الله!» فثاب إليه جماعة من قومه، وثاب إليه سارية بن عمان، حتّى اجتمع إليه نحو من ثلاثة آلاف رجل. فلما نظر إلى من اجتمع، رضى جماعتهم، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال:

- «أما بعد، فإنّ الله يكل الجمع الكثير إلى أنفسهم فيهزمون، وينزل النصر على الجمع اليسير فيظهرون، ولعمري ما بكم الآن من قلّة، إنّى لجماعتكم لراض،

<<  <  ج: ص:  >  >>