فأتاه عمير ليلا، فبايعه وأخبره أنه على ميسرة صاحبه، وواعده أن ينهزم بالناس، فقال له ابن الأشتر:
- «فإنّى أستشيرك فى أمر، فأشر علىّ.» قال:
- «نعم.» قال:
- «أترى أن أخندق علىّ وأتلوّم يومين أو ثلاثة؟» قال عمير بن الحباب:
- «لا تفعل، إنّا لله، وهل يريد القوم إلّا هذه، إن طاولوك وماطلوك هو خير لهم [٢٤٢] هم كثير أضعافكم، وليس يطيق القليل الكثير فى المطاولة، ولكن ناجز القوم، فإنّهم قد ملئوا منكم رعبا وإنهم إن شامّوا [١] أصحابك وقاتلوهم يوما بعد يوم ومرة بعد مرة، أنسوا بهم واجترأوا عليهم.» قال إبراهيم:
- «الآن علمت أنّك لى مناصح، صدقت الرأى وما رأيت. أما إنّ صاحبي، بهذا الرأى أمرنى.» قال عمير:
- «فلا تعدونّ رأيه، فإنّ الشيخ قد ضرّسته الحروب، وقاسى منها ما لم تقاس.
ناهض الرجل إذا أصبحت.» وانصرف عمير، وأذكى ابن الأشتر حرسه تلك الليلة، الليل كلّه، ولم يدخل عينه غمض حتّى إذا كان فى السحر الأوّل عبّى أصحابه ميمنة وميسرة، وألحق أمير الميمنة بالميمنة، وأمير الميسرة بالميسرة، وأمير الرجّالة بالرجّالة، وضمّ الخيل وعليها أخوه لأمّه عبد الرحمن بن عبد الله، فكانت وسطا من الناس، ونزل
[١] . شامّوا: كذا فى الأصل والطبري (٨: ٧٠٨) . وما فى مط: سامتوا. سامته: وازاه وقابله. شامّه: قاربه. دنا منه.