للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصحاب سعيد بن مجالد حتّى انتهوا إلى الجزل، فناداهم الجزل:

- «أيها الناس، إلىّ إلىّ.» وناداهم عياض بن أبى لينة:

- «أيها الناس، إن يكن أميركم هذا القادم هلك، فهذا أميركم الميمون النقيبة [١] .

أقبلوا إليه.» فأقبلوا إليه. فمنهم من أقبل إليه، ومنهم من ركب رأسه منهزما. وقاتل الجزل قتالا شديدا حتّى صرع، وقاتل عنه خالد بن نهيك وعياض بن أبى لينة حتّى استنقذاه وهو مرتثّ. وأقبل الناس منهزمين حتّى دخلوا الكوفة، وأتى بالجزل حتّى دخل المدائن، وكتب إلى الحجّاج بن يوسف:

- «أما بعد، فإنّى أخبر الأمير، أصلحه الله، أنّى خرجت من الجند الذي وجّهنى فيه إلى عدوّه، وقد كنت حفظت عهد الأمير إلىّ فيهم ورأيه. فكنت أخرج إليهم إذا رأيت الفرصة، وأحبس الناس عنهم إذا خشيت الورطة، فلم أزل كذلك وقد أرادنى العدوّ بكلّ ريدة، فلم يصب منّى غرّة حتّى قدم علىّ سعيد بن مجالد رحمه الله، فأمرته بالتؤدة، ونهيته عن العجلة، وأمرته ألّا يقاتلهم إلّا فى جماعة الناس عامّة [٣٤٣] فعصاني وتعجّل إليهم فى الخيل، وكنت أشهدت الله عليه وأهل المصرين، أنّى [٢] بريء من رأيه الذي رأى، وأنّى لا أهوى ما صنع. فمضى، تجاوز الله عنه، ودفع الناس إلىّ، فنزلت ودعوتهم إلىّ، ورفعت لهم رايتي، وقاتلت حتّى صرعت فحملني أصحابى من بين القتلى، فما أفقت إلّا وأنا فى أيديهم على رأس ميل من المعركة، فأنا اليوم بالمدائن فى جراحات قد يموت الإنسان من دونها، ويعانى من مثلها. فليسأل الأمير، أصلحه الله، عن نصيحتي له ولجنده، وعن مكايدتى عدوّه، وعن موقفي يوم البأس. فإنّه يستبين له عند ذلك


[١] . الميمون النقيبة: كذا فى الأصل والطبري (٨: ٩١٠) . وما فى مط: الميمون التعبئة!
[٢] . فى الأصل: وأنّى (بزيادة الواو) والواو ليست فى الطبري (٨: ٩١٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>