للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخرج بهم إلى نفّر، ثمّ خرج بهم إلى بغداد نحو خانيجار، فأقام بها. ولما بلغ الحجّاج أنّ شبيبا قد أخذ نحو نفّر، ظنّ أنّه يريد المدائن وهي باب الكوفة، ومن أخذ المدائن كان ما فى يديه من أرض الكوفة أكثر. فهال ذلك الحجّاج، وبعث إلى عثمان بن قطن، وسرّحه إلى المدائن وولّاه منبرها والصلاة ومعونة جوخى كلها وخراج الأستان. فخرج مسرعا حتّى نزل المدائن، وعزل الحجّاج ابن أبى عصيفر، وكان بها الجزل مقيما يداوى جراحاته، وكان ابن أبى عصيفر يعوده ويكرمه ويلطفه. فلما قدم عثمان بن قطن لم يكن يتعاهده ولا يلطفه بشيء.

فكان الجزل يقول:

- «اللهمّ زد ابن أبى عصيفر جودا، وزد عثمان بن قطن ضيقا وبخلا.» ثمّ إنّ الحجّاج دعا عبد الرحمان بن محمد بن الأشعث، فقال له:

- «انتخب الناس.» وأخرج من قومه ستمائة من كندة، ومن سائر الناس ستة آلاف، واستحثّه الحجّاج، فعسكر بدير عبد الرحمان. فلما أراد الحجّاج إشخاصهم كتب إليهم كتابا قرئ عليهم. [٣٥٦]- «أما بعد، فقد اعتدتم [١] عادة الأذلّاء وولّيتم الدبر [٢] يوم الزحف دأب الكافرين. وإنّى قد صفحت عنكم مرّة بعد مرّة، وتارة بعد أخرى. وإنّى أقسم لكم باللَّه قسما صادقا، لئن عدتم لذلك لأوقعنّ بكم إيقاعا أكون به أشدّ عليكم من هذا العدوّ الذي تهربون منه فى بطون الأودية والشعاب، وتسترون منه بأفناء الأنهار وألواذ الجبال. فخاف من كان له معقول على نفسه، ولم يجعل عليها سبيلا، وقد أعذر من أنذر، والسلام.» وارتحل عبد الرحمان فى الناس حتّى مرّ بالمدائن، فنزل بها يوما حتّى تشرّى


[١] . اعتدتم: كذا فى الأصل. وما فى مط: أعدتم.
[٢] . الدبر: كذا فى الأصل. وما فى مط: الدبور.

<<  <  ج: ص:  >  >>