فأجاب البريدي عن كتابه بأنّه يروى ويذكر له ما عنده بعد أن استمهله شهرا ليتأهّب للسفر الذي يقصده. فعاد إليه من جواسيسه واحد كذبه فأخبره بأنّ الجيش وافى عسكر مكرم ونزلوا الدور وانبسطوا فى المدينة فأحضر غلامه مونسا وقال له:
- «ظفرنا والحمد لله بعدوّنا وكافر نعمتنا فنسير من تستر وقت عتمة ونصبّح عسكر [٥٢٧] مكرم والقوم غارّون فى الدور فنكبسهم ونشرّدهم ونمتدّ إلى الأهواز فلا يثبت لنا البريدي بل يكون همّه الهرب لوجهه.» فقال مونس:
- «أرجو أن يكون هذا صوابا.» وسار ياقوت ووصل إلى عسكر مكرم وقد بدأت الشمس من مطلعها وامتدّ مشتقّا للبلد [١] إلى ناعورة السبيل ونهر جارود فلم ير لرجال البريدي أثرا فخيّم ونزل عند النهر ومضى يومه إلى آخره وهو متعجّب من الغرور الذي غرّه جاسوسه.
فلمّا كان وقت العصر ظهرت الطلائع ثمّ أقبل العسكر وأميرهم أبو جعفر الجمّال فنزل على فرسخ من ياقوت وحجز الليل بين العسكرين وأصبح فكانت بينهم مناوشة ومبارزة واتّعدوا للحرب فى اليوم الذي يليه لأنّ عسكر البريدي كان منتظرا عسكرا قد سيّره البريدي على طريق دجيل ليدخل من ضفّته كمينا على ياقوت حتّى يصير وراءه. ثمّ أصبحوا فى اليوم الثالث من ورود ياقوت عسكر مكرم فابتدأت الحرب منذ وقت طلوع الشمس إلى وقت الظهر وثبت ياقوت ومعه ممّن نصره مثل مونس وآذريون ومشرق وغيرهم فى دون ألف رجل. فأعيا من بإزائه من أبى جعفر الجمال وغيره
[١] . للبلد: كذا فى مط. وفى الكلمة غموض فى الأصل وهي إلى كونها «للبلد» أقرب منها إلى كونها «المبار» المقروءة فى مد.