للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فخرج عبد الرحمان حتّى قرأ الكتاب فى طلب شبيب. فكان شبيب يدعه حتّى إذا دنا منه يبيّته فيجده قد خندق، وحذر، فيمضى ويدعه، فيتبعه عبد الرحمان. فإذا بلغه أنه قد تحمّل، وأنه يسير، أقبل فى الخيل. فإذا انتهى إليه، وجده قد صفّ الخيل والرجّالة المرامية، [٣٥٨] فلا تصيب له غرّة ولا غفلة، فيمضى ويدعه. ولما رأى شبيب أنه لا يصيب غرّته، ولا يصل إليه، جعل يخرج، كلّما دنا منه عبد الرحمان حتّى ينزل على مسيرة عشرين فرسخا منه، ثمّ يقيم فى أرض غليظة خشنة، فيجيء عبد الرحمان فى خيله وثقله، حتّى إذا دنا من شبيب ارتحل عنه شبيب، فسار خمسة عشر فرسخا أو عشرين فرسخا، فنزل منزلا غليظا خشنا. ثمّ يقيم حتّى يدنو عبد الرحمان. فكان شبيب قد عذّب ذلك العسكر، وشقّ عليهم، وأحفى دوابّهم، ولقوا منه كلّ بلاء. فلم يزل عبد الرحمان يتبعه حتّى مرّ به على خانقين، ثمّ جلولاء، ثمّ تامرّا [١] ، ثمّ أقبل إلى البتّ ونزل بها، وعلى تخوم الموصل، ليس بينها وبين سواد الكوفة إلّا نهر حولايا. وجاء عبد الرحمان حتّى نزل شرقىّ حولايا وهو فى راذان الأعلى من أرض جوخى، ونزل فى عواقير [٢] من النهر، ونزلها عبد الرحمان حيث نزلها وهي تعجبه، يرى أنها مثل الخندق والحصن، وأرسل إلى عبد الرحمان:

- «هذه الأيام أيّام عيد لنا ولكم، فإن رأيتم أن توادعونا حتّى تمضى هذه الأيام فعلتم.» فأجابه عبد الرحمان [٣٥٩] إلى ذلك ولم يكن شيء أحبّ إلى عبد الرحمان من المطاولة والموادعة.


[١] . تامّرا: كذا فى الأصل ومط والطبري (٨: ٩٣٢) . وفى بعض الأصول: سامرّا. تامرّا: نهر كبير تحت بغداد شرقيّها، مخرجه من جبال شهرزور مما يجاورها وينسب إليه طسوج من طساسيج بغداد (مراصد الاطلاع) .
[٢] . عواقير: كذا فى الأصل. وفى مط: عولقير. وما فى الطبري: عواقيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>