منه) ما يُتَوقَّع أو يُعتاد نفاذه: كتلك البقع الخالية من الشَعَر بين الحاجبين، وراحة الكف، وثُغْرةِ النحر، وخُلُوِّ منزلة القمر تلك. وكذلك الأرض التي لم تُحْفَر لم تُفْتح أي تُشَق ويُنفَذْ منها، وأثر الحَرق والجَرْح لا ينفُذ منه شَعَر. وكالمطر الذي لا يخرج من السحاب، والفرس الذي لم يَنفُذ من بين غيره، والإنسان الذي لم يبذل ويُخرِج شيئًا من ماله، والغليظ الخَلْق لا يكاد يُخْتَرق (أو هذا من إصمات الظاهر).
ومن ذلك "البلد - محركة: كل موضع متحيز من الأرض عامر أو غامر (تحيّزه كأن عليه حاجزًا يحبس). وأرى أن أصل البلد المسكون أنه مساحة خالية متميزة تُتَّخذ للإقامة، والإقامة احتباس وقد جاء "البَلَد من الأرض: ما كان مأوى الحيوان وإن لم يكن فيه بناء ". وقد بَلَد بالمكان (قعد): أقام به {وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ}[التين: ٣] هو مكة بلد الله الحرام، {حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ}[الأعراف: ٥٧]: لبقعة من الأرض أو قُطْر ميت، {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ}[النحل: ٧]: قُطْر أو مدينة. وبمثل هذا المعنى جاء سائر ما ذكر من (بلد) و (بلدة) في القرآن ووصفها بـ (طيب) أو (ميت) يخصصها بقطر أي أرض من شأنها كذا. وجمعها (بلاد) هو للمدن والقرى {الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ}[الفجر: ٨] والأقطار {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ}[آل عمران: ١٩٦] وكذا ما في [غافر ٤، ق ٣٦]. ومن هذا: "البَلَد: القبر " (حيز لا يغادره صاحبه).
ومن ذلك المعنى البلادة: "رجل بليد وقد بلُد (ككرم): إذا لم يكن ذكيًّا (الذكاء حدة فكر ونفاذ)، والبليد من الإبل: الذي لا ينشِّطه تحريك " (لا يجعله يُنْفِذ شيئًا، والسير إنفاذ لمذخور القوة في الباطن).