الحرص البالغ على أن يقبل كلٌّ دعوته ولو كان من المعرضين المتجبرين. وذلك بدليل تكملة الآية {إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ} أي أن سور القرآن وآيات القرآن [بحر ٨/ ٤١٩] للتذكير والتبصير وليست لتتجشم هذا الغضب من مقاطعة الأعمى إياك وأنت تدعوهم {إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ}[الغاشية: ٢١] جاء في [الإتقان النوع ٤٠] أن ابن هشام نقد قصرهم معنى (كَلّا) على الردع والزجر بأن هذا لا يصلح في ثلاث آيات ذكرها. وأن تأويلها فيهن بالردع تعسف. ووافقه آخرون قائلين إنه يصح الوقف قبل (كلا) وإنها تكون بمعنى حقا. وأقول إن هذا يتأتى في موضع (عبس) هذا، وحينئذ يتوجه معناها إلى ما بعدها استئنافا. وفي تفسير الرازي [الغد العربي ١٦/ ٢١٩] قال الحسن (البصري) إن جبريل لما تلا آيات أول السورة تغير وجهه - صلى الله عليه وسلم - "فلما قال "كلا "سُرِّي عنه "أقول: وهذا يرجح أنها بمعنى الإضراب والاستئناف، إذ لو كانت زجرًا لازداد تأسفا. والحق ثبوت يؤخذ من الثقل والكثافة في الأصل.
ومن مجيئها بمعنى التنبيه {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق: ٦]. لكنها تصلح للردع بناء على سبب النزول الذي ذكروه [بحر ٨/ ٤٨٩] وقد قدّروا مردوعا عنه. [وينظر معجم حروف المعاني ٢/ ٨٠٤، وأخالفه بشأن عبس ١١].