للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أثر ترتيب حروف التركيب في معناه]

ما ذكرناه من معاني الحروف بأن حددنا لكل حرف ألفبائي معنى لغويًّا لا يعني أن التركيب مجمل المعنى اللغوي الكامل لكل حرف من حروفه بحيث يكون معنى التركيب هو مجموع معاني حروفه. كلا، فنحن لا نقول بهذا؛ ذلك أن الدراسة التطبيقية بيَّنتْ أن ترتيب موقع الحرف بين حروف التركيب له تأثير قوى في معناه المحصَّل في التركيب: فقد يبقى معنى الحرف كما هو، وقد يتأكد ويتقوى بما مجاوره، وقد يضعف معنى الحرف بتأثير معنى الحرف الذي يسبقه أو يليه في التركيب.

وتقريبًا لهذا الأمر فإني أشبه مسألة أثر الترتيب هذه بترتيب خلط المواد المكونة لشرابٍ من عصير الليمون المُحَلَّى؛ فالمواد هي ماء وسكر وعصير ليمون: فإذا وضعنا عصير الليمون أولًا على الماء فإنه يختلط به، ثم إذا جئنا بالسكر ووضعناه على ذلك الخليط فإنه لن يذوب كله في خليط الماء والليمون، بل ربما لا يذوب منه إلا القليل، وبذا سيكون طعم الخليط قليل الحلاوة. أما إذا خلطنا السكر بالماء أولًا وقلّبناه حتى ذاب، ثم وضعنا عصير اللمون فإن عصير الليمون سيختلط بالماء المحلَّى اختلاطًا تامًّا، وبذا ترتفع درجة حلاوة المشروب المذكور. أي أن حصلية خلط الماء بالسكر والليمون تغيرتْ بسبب ترتيب خلط المواد -أيُّها يُخلط قبل الآخر. فكذلك الأمر في تكوُّن تركيب لغوي من مادة ثلاثة أحرف مثلًا -أي أنه بتغير معناه بتغير أسبقية الحرف المعين في صياغة التركيب.

وقد كنا تعرضنا لمسألة أثر ترتيب حروف التركيب في معناه عند مناقشتنا نظرية ابن جني في الاشتقاق الأكبر (١) (وهي تتطابق في أهم وجوهها مع مسألتنا


(١) أفردت لـ "علم الاشتقاق "كتابًا مستقلًّا نشرته "مكتبة الآداب "وقد احتوى (ص ٢٤٧ - ٢٦٨) على تقويم مفصل لنظرية ابن جني هذه، فراجعه إن شئت.

<<  <  ج: ص:  >  >>