هذه) حيث زعم -غفر الله لنا وله- أن تقاليب المادة الثلاثية (مثلًا)، وهي ستة، تعطي كلها معنى مشتركًا بينها جميعًا يوجد في كل تركيب منها، ومثّل لذلك بمادة (ق ول)، فزعم أن تراكيبها (قول / قلو / وقل / ولق / لقو / لوق) كلها تدل على معنى "الخفوف والحركة "، وأن هذا المعنى متحقق في كل منها على حِدَة، كما مثل بمادة (ب ج ر) زاعمًا أن تراكيبها (بجر / برج / جر / جرب / ربج / رجب) كلها تدل على القوة والشدة. وكذلك فعل في مثال مادة (ك ل م). وقد ناقشنا هذه النظرية حتى نقضناها. وكان من مناقشتنا التطبيقية لها أن شرحنا معاني تلك التقاليب الثمانية عشر وبيّنا عدم تطابق معنيي أي تركيبين من أي مادة من المواد الثلاث، وأن أقصى ما هناك أن يتقارب معنيا تركيبين فحسب، وأن تقارب معاني التراكيب الستة هو مجرد دعوى وتكلف وخِلابة، دفع إليها طغيان الفكرة على ذهن ابن جني رحمه الله.
ثم كان من مناقشتنا التطبيقية أيضًا أن جئنا بعشرة تراكيب مضعَّفة، وبينا أن مقلوباتها المضعّفة أيضًا (حسب ما أخذ به الخليل في بنائه معجم العين) تحمل معاني مضادة لمعانيها إلا مطابقة ولا مقاربة)، وهو أمرٌ ينقض نظرية ابن جني في الاشتقاق الأكبر -من ناحية، ويثبت إثباتًا تامًّا ما قلنا به من أثر ترتيب موقع الحرف في تركيبه في معنى هذا التركيب (ومن ثم في كل مفردات هذا التركيب) من ناحية أخرى.
وها هي تي كما جئنا بها في كتابنا عن الاشتقاق (جعلنا الأمثلة على شكل مثاني من التراكيب المقلوبة الترتيب نوازن بين معنى التركيب ومعنى مقلوبه، لنتبين أثر قلب الترتيب في المعنى):
١ - دَرَّ، رَدَّ:"دَرَّ اللبنُ والدمع: سال كثيرًا ". فهذا سيلان واسترسال. وفي مقابل ذلك:"رَدَّ الشيءَ صرفه عن وجهه "أي صرفه عن الاسترسال في اتجاهه.