وأخيرًا فإن (القنطار) - وهو وجمعه ما ورد في القرآن من التركيب - هو معيار من العين اختلفوا في تحديده بين أربعين، وألف ومائتي (٤٠ - ١٢٠٠) أوقية من ذهب وبغير ذلك على أكثر من عشرة أقوال، منها أنه جملة كثيرة مجهولة من المال، وأنه قدر مِلء مَسْك ثور ذهبًا. وهذان أولى الأقوال لأنهما على سنة نشوء الأعداد في عدم تحديد دلالتها بادئ ذي بدء. ثم إن الأخير أولاهما إذ كانت المُسوك أوعيتَهم (ومنها البَدْرة - بالفتح: كيس من جلد السخلة فيه ألف أو عشرة آلاف دينار) وكان لا بد من مِقْياس أو مِكْيال فإذا أرادوا أوسع ما يقدّرون به العَين فلا يكون إلا وعاءً جلديًا كبيرًا كمَسْك الثور ويكون انطباق الأصل عليه أنه كمية ضخمة تتخطى المقادير المعروفة عندهم.
وهكذا تتأتى عروبة اللفظة بوجود كثير من المعاني والاستعمالات العربية لها، وبعدم شذوذ مبناها. لكن ذكر السيوطي في المتوكلي أنها معرّبة وعلق عبد الرحيم عليها في [معرب الجواليقي ٥١٦] بأنها سريانية فن أصل يوناني أصله لاتيني. وأقول إن وجودها في السريانية يعني - على الأقل - قِدَمها في البيئة العربية. والأكّادية - وهي الصورة القُدْمى لعربيتنا؛ وفيها كثير من مفردات عربيتنا وخصائصها - ترجع إلى الألف الرابع قبل الميلاد (١). وهنا يتاح افتراض أن اليونانية اقتبست منها كل ما ينسب إليها من عربية القرآن الكريم.