فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} [الأنعام: ١٤٩]: التامة الغالبة التي تَبهَتكم، ذلك أن الله عز وجل حكى عنهم في الآية السابقة لهذه {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ}[الأنعام: ١٤٨]. ويترجح لدىّ أنهم يقصدون بهذا أن يقولوا إنك يا محمد تقول إن الله بيده كل شيء وهو على كل شيء قدير، فعلى ذلك فلو شاء ما أشركنا ولا حرّمنا ما لم يُحرِّمه. وكأنهم يحتجون على النبي - صلى الله عليه وسلم - بما في القرآن الكريم من أنه سبحانه {لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ}[الأعراف: ٥٤] و {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ}، ثم يستظهرون بما هم فيه من الإمهال، وأنه تعالى لو شاء غَيْرَ ما هم عليه لما تركهم على تلك الحال. فرد عليهم سبحانه بأنهم بموقفهم هذا مكذِّبون معرّضون لأن ينزل بهم ما نزل بأمثالهم من قبل. ثم طالبهم بأن يأتوا بعِلْم يشهد بأن الله اضطرهم أن يشركوا وأن يحرّموا ما لم يُحرّم، ثم قرر أن موقفهم مبني على ظن وفرض وتخمين "استنتاج غلط "فالله حجته هي الغالبة. وحقيقةً أنه {وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ}[النحل: ٩] لكنه سبحانه زوّد بالعقل، وأرسل الرسل وأيدهم بمعجزات تُطَمْئن أقوامهم على صدق كونهم مرسلين، وبينت الرسل العقائد الصحيحة والشرائع والحدود التي ارتضاها، وعلّق الثواب والعقاب على ما اختاره كلٌّ. فالتذرع بالمشيئة تسوّر وجزف. وعلم الله الأزلي كَشْفٌ لا قَهْر:[يراجع ابن عطية ٥/ ٣٨٦، قر ٧/ ١٢٨، والبحر ٤/ ٢٤٨].
والقول البليغ هو الذي يُوصِّل المعاني المرادة إلى القلوب بكمال حال:{وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا}[النساء: ٦٣].