ومن ذلك "الحدود: النهايات، والعقوبات الي تَحُدّ أي تمنع من ارتكاب الكبائر وتُوقِف عن ارتكابها. "قال الأزهري: فحدود الله عز وجل ضَرْبان ضرب منها حدود حدّها للناس في مطاعمهم ومشاربهم ومناكحهم وغيرها مما أحلَّ وحرّم وأمر بالانتهاء عما نَهَى عنه منها ونَهَى عن تعديها. والضرب الثاني عقوبات جُعِلَت لمن رَكِب ما نُهِى عنه كحد السارق، وهو قطع يمينه في ربع دينار فصاعدًا .. سميت حدودًا لأنها تَحُدّ أي تمنع من إتيان ما جُعِلت عقوبات له. وسميت الأولى حدودًا لأنها نهاياتٌ نَهَى الله عن تعديها {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا}[البقرة: ١٨٧] والانتهاء توقف عن التخطي والامتداد. ومن هذا كل كلمة (حدود) في القرآن الكريم.
ووقف الامتداد والتخطي منعٌ منه. قالوا "حَدّ الرجلَ عن الأمر: منعه وحبسه، والحدّاد: البواب، والسجّان يمنعان، وهذا أمر حَدَد -محركة أي منيعٌ حرام لا يحل ارتكابه. وحُدّ الإنسان- للمفعول: حُرِم الظفر. وحَدَّ الله عنا شرَّ فلان: كفه وصرفه. وحَدّهْ صرفه عن أمر أراده ". ومن هذا حِداد المرأة "المُحِدّ هي المرأة التي تترك الزينة والطيب بعد زوجها للعدة ". أي هي ممنوعة منها.
وقولهم "مالك عن ذلك حَدَد أي مصرَف ومَعْدل "، الأصل لا انقطاع ولا انتهاء عنه، كما قيل (لابُدّ) وأصلها (لا فراق).
والحديد: الجوهر المعروف سمي بذلك "لأنه منيع "أي صُلْب. وتأويل هذا اشتقاقيًّا أنه لا يقبل الانشقاق أو التفتت بالضغط المعتاد. أي بما ينشق ويتفتت به غيرُه. والتفتت والتشقق تسيب وانتشار، فهو من امتناع الانتشار الذي هو من جنس الامتداد {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ}[الحديد: ٢٥]