وقوله تعالى:{ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى}[النجم: ٨]، أي دنا جبريل (بعد استوائه بالأفق الأعلى) من الأرض فتدلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى كان - {قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} فأوحى الله إلى جبريل ما يوحيه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. وكان دنو جبريل بأمر الله تعالى بعد أن هالت النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - صورتُه على حقيقته [قر ١٧/ ٨٨ بتصرف]، وهناك أقوال أخرى. {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ}، {قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ}[الحاقة: ٢٣] كلتاهما من القرب للتناول، {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا}[الإنسان: ١٤] تغشاهم. وفي قوله تعالى:{وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ}[السجدة: ٢١]، فُسّر الأدنى بالأقرب فقيل بمصائب الدنيا وبلاياها، وبيوم بدر، وبالجوع سبع سنين الخ. ولا خلاف أن العذاب الأكبر عذب جهنم. [ينظر قر ١٤/ ١٠٧]. وكل ما في القرآن من التركيب هو من الدنو: القرب، لكن هناك صُوَر خاصة له ستأتي.
فالأصل في الدنو أن يكون إلى سُفْل، ومن هنا استُعْمل الدُنُو في الهبوط المعنوي (قلة قيمة الشيء) في مثل {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ}[البقرة: ٦١]. ومن هذا قالوا للخسيس الساقط:"إنه لدَنِيٌّ من أدنياء، وإذا طلب الرجل أمرًا خسيسًا قالوا: قد دَنَّى -ض ". كما قالوا في ضده: الشريف والسامي والعالي. ومن هذا:{عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى}[الأعراف: ١٦٩] الرشا والمكاسب الخبيثة [بحر ٤/ ٤١٤]. كما استُعْمِل الدنو في قلة الكم، وهو من النزول؛ لأنه نقص {وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ}[المجادلة: ٧]، {أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ}[المزمل: ٢٠]. أما "الدنْيا: نقيض الآخرة "فشَقُّوها من الدُنُوّ: