للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا مَنْ قَدَّر اللَّه في سابق علمه أنه من أهل النار [بحر ٧/ ٣٦٢]، وكأن "على "بمعنى "إلى ". وهذا الذي سبق أشيع الاستعمالات المعنوية. كما استعمل في تمحيص حقيقة ما في القلوب بتعريضها للشدائد كما يُصْهَر الذهب أو الفضة فيمتاز خَبَثُهما عن جوهرهما الخالص (أي أن هذا استعمال في جزء المعنى): {أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ} [التوبة: ١٢٦]: يختبرون بالقحط والشدة أو بالأمراض والأوجاع [قر ٨/ ٢٩٩]، {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: ٢ - ٣]، {وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} [طه: ٤٠] خلّصْناك أو بَلَوناك [قر ١١/ ١٩٨].

ومن ذوبان الباطن (اللب): {فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (٥) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ} [القلم: ٥ - ٦] فهي بمعنى المجنون ردًّا على قولهم إنه -صلى اللَّه عليه وسلم- مجنون. وقد عد بعضهم اللفظ مصدرًا بمعنى الفُتُون أي الجنون. والخلاصة أنه يمكن القول بأن ما ليس بمعنى الإحراق أو الإذابة المادية مما استعمله القرآن من التركيب يدور معناه بين الابتلاء إيقاعا أو تعريضًا للبلاء المحوِّل عن حال أو موقف وبين التحول نفسه.

وهذه وقفات جزئية: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا} [الأنعام: ٥٣] أقول إن فتنتهم التي ردّتهم (حوّلتهم) عن قبول الإيمان هي هذه الفكرة التي ذُيلت بها الآية. [ينظر بحر ٤/ ١٢٤]. {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: ١٠١] أي ينقَضُّوا عليكم حال استغراقكم في الصلاة ويقلبوا حالكم من متأهبين إلى مأخوذين. [وينظر السابق

<<  <  ج: ص:  >  >>