قولهم: أَجِم الطعامَ: كَرِهه " [ل](أي فلا يقبله أي لا يُنْفِذه في جوفه). وأضيف أنا تَنظيرًا آخر، وهو تسميتهم جماعة الشجر الكثيفة التي لا يُنْفَذ إلى ما بينها: "حَرَجة " (الحَرَج: الضِيق الشديد). ومن هذه الوجهة قولهم: "آبَى الماءُ: إذا امتنع؛ فلا تستطيع أن تنزل فيه إلا بتغرير " (أي بمخاطرة، من كثرته، أو عدم الوسيلة للخروج منه).
وأما قولهم: "كَلأٌ لا يُؤْبَى، أي لا ينقطع من كثرته، وفلان بحر لا يُؤْبَى، وعنده دراهم لا تُؤْبَى، أي لا تنقطع "، "وماء مُؤْبٍ: قليل، وآبَى أي نَقص "، فهذا كله من باب النقص والنفاد (يلحظ النفي في الاستعمالات الثلاثة الأولى) والنقص والنفاد يلزمهما عدم التناول، وهو مساوٍ للامتناع.
ومن ذلك "الإِباءُ: أشدُّ الامتناع. ورجل أبَّاء - كشدّاد: إذا أَبَى أن يُضام "وقد مر بنا أن سبب الامتناع كراهيةُ الشيء الممتنَع عنه. وبذا نستطيع تعريف الإِباء بأنه الامتناع الشديد من الشيء كراهةً له. وهذه الكراهة تتمثل - بعد استعمالها الأصلي الحسّيّ الذي ذكرناه - في معنويٍّ، هو الاستنكافُ من الضَيْم، أي كراهتُه ورفضُ ما يَمَسّ العِزّة. فإذا نقلنا ذلك إلى الكلام عن الجانب الأقدس في قوله تعالى:{وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ}[التوبة: ٣٢] أصبح المعنى: يمتنع بكل السبل ألّا يتم نور الله، أي أن الله سبحانه يَعْظُم ويجِلّ سلطانه عن أن يعوق تمامَ نوره عائق، ولا يَقدِر شيءٌ ولا يتأتى لشيء، أو أمرٍ ما، أن يَمْنَع إتمام اللهِ نورَه، أي لا بد أن يتم نوره عز وجل.