من آيات أخرى أن ذلك كان إباءَ ما ظنه ضَيمًا في حقه، وهو السجود لآدم عليه السلام حيث قال:{أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}[الأعراف: ١٢، ص: ٧٦].
وقد أضاف الإمام الرازي قيدًا مهمًّا لتحقق معنى الإباء، وهو "الاختيار "أي الامتناع اختيارًا، أي مع وجود القدرة على الامتثال. ولم أذكر هذا القيد قبلًا؛ لأنه ضروري عامّ، كالبَدَهِيّ، إذ لا يَصْدُق على من حالت ضرورةٌ بينه وبين عملٍ ما أن يعمله أنه أَبَى أن يعمله.
هذا، وإذا عدنا إلى تطبيقات الإباء في القرآن الكريم فإننا نجد امتناع الأَنَفة أو الكراهة، أي رفض ما عدّه إبليس والكفار ضَيْمًا (أو ما يقرب من هذا الباب) في إباء الكفار الإيمان كما في قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا}[الإسراء: ٨٩][ونحوها آية الإسراء: ٩٩ والفرقان: ٥]. وعن فرعون خاصة {وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى}[طه: ٥٦] وقريب من هذا المستوى موقف المنافقين {يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ}[التوبة: ٨].
ثم تأتي "أبى "بمعنى الامتناع مجردًا عن قيد الاستنكاف وكراهة الضيم: كما في قوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا}[الأحزاب: ٧٢]، لكن يبقى معنى كراهة الأمر سببًا للامتناع في قوله تعالى:{حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا}[الكهف: ٧٧]، وقوله تعالى:{وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ}[البقرة: ٢٨٢]، {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا}[البقرة: ٢٨٢].