للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(يقول إن هَوّاسا (الأسد) ظن أني أترك له ناقتي ليأكلها فداء لنفسي. وقد عبّر عن ظن الأسد بقوله (أيقن). بعد قوله تحسّبَ - بيانا لها.

ومما جاء في القرآن الكريم من الظن بمعناه المشهور وهو الاعتقاد المبني على أمارات قوية {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ} [الحشر: ٢] {وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا} [يونس: ٢٤]، {وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ} [فصلت: ٢٢]، {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} [الأنبياء: ٨٧] رجَّح أن اللَّه لن يضيق عليه الأمر في هَجْره دائرة دعوته، لأن اللَّه تعالى يعلم كم عانى منهم وصابَرَهم، {بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا} [الفتح: ١٢]، {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} [الجن: ٥]، {إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ} [الانشقاق: ١٤] إلخ. كل ذلك بمعنى الاعتقاد الذي تخلّف أي تبين -بعدُ- أنه غير صحيح. وهناك ظن بمعنى الاعتقاد الذي تبين -بعد- أنه صحيح كما في قوله تعالى: {وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا} [يوسف: ٤٢]. فقد نجا، وربما أيضًا {وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ} [ص: ٢٤]. وهناك ما هو اعتقاد راجح لكنه أقرب إلى التعادل -مثل ما في قوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} [البقرة: ٢٣٠]. وعدم التحقق لا يعني ضرورة أنه كان توهمًا، إذ يمكن أن تكون الأمارات حقيقية وقوية، لكن يقع التخلف لأمور أخرى. أكاد أقول إن كل ما في القرآن الكريم هو من قبيل هذا الاعتقاد، باستثناء ما جاء منه في سياق الإزراء على الظن، فهذا يكون من الظنّ الذي يتخلف.

<<  <  ج: ص:  >  >>