يتمثل إشكال هذا التركيب في تفسير قوله تعالى:{الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ}[البقرة: ٤٦]، {قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ}[البقرة: ٢٤٩]، وقوله تعالى على لسان المؤمن الذي أوتى كتابه بيمينه يوم القيامة {إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ}[الحاقة: ٢٠] حيث إن المطلوب في الإيمان أن يكون الاعتقادُ في لقاء اللَّه عز وجل (= البعث والحساب)، وكذا الإيمان بتحقق وعِد اللَّه بنصر المؤمنين وإن كانوا قلة - أن يكون الاعتقاد بهذين وسائر ما هو من باب العقيدة التي يتطلبها قبول الإيمان = أن يكون عقيدة مستيقنة -لا ظنًّا (حسب الانطباع الخاطى أن الظن شك).
وهنا بدأت الاجتهادات. وأشهرها وأخصرها أيضًا أن (ظن) من الألفاظ التي يستعمل الواحد منها لمعنيين متضادين: فهي تستعمل بمعنى اليقين وبمعنى الشك حسب ما يقضي السياق. وأنا لا أسلم بأن في اللغة ألفاظًا يستعمل الواحد منها للمعنى وضده، لأن هذا خلاف الأصل، فاللغة وضعت للتوضيح والتحديد لا للإلباس، وما أوردوه من ألفاظ منسوبة لهذا النوع وشواهدها كلها لها مَشْرَع آخر.
فإذا تجاوزنا هذا الاتجاه وجدنا (أ) التابعي مجاهد بن جبر (١٠٤ هـ) يقول "كل ظن في القرآن فهو يقين ". وفي رواية فهو "علم ". وأقول أنا إن هذا التعميم مردود. تشهد لرده بعض الآيات التي ذكرناها، ويردّه نصًا قوله تعالى حكاية عن كلام للكفار، لكنه يعبر عن الشائع العامّ أن الظن يخالف اليقين {إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ}[الجاثية: ٣٢] فنفوا أن يفسَّر ظنهم باليقين. وقوله تعالى ردًّا على الذين ادعوا أنهم قتلوا المسيح {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ