الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا} [الكهف: ٥٣]. وقوله تعالى:{وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ}[الأعراف: ١٧١]، {وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ}[يونس: ٢٢]، {وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ}[القيامة: ٢٨] فالعيان فيهن واضح، ولكن المُعَرَّض لهلاك محقَّق يظل عنده نسبة من الأمل لآخر لحظة، مما يسوّغ استعمال الظن بدلًا من العلم.
أما صدر عبارة الطبري، وهو أن ما لم يُعايَن (لا يمكن أن) يُستعمل فيه العلم بمعناه الحقيقيّ التام اليقينية فإننا نسلّمه؛ إذ لا ينكر أحد أن ما يكون مصدره الخبر أو النظر والاستدلال فإن اليقين به لا يبلغ درجة العِيان والمباشرة، لكنه قد يُعَدُّ من درجات اليقين. وهذا معنى ما تبناه الطبري عن ابن زيد، وهو الذي تجرى عليه الأمور في الحياة، إذ يُبْنَى عُظْم ما فيها على الأخبار الموثوق بها والاستدلالات وما إليها. فهذا المستوى من اليقين مقبول ومعترف به عند بني الإنسان. وسيأتي ما يؤيد ذلك.
وبالعود إلى قوله تعالى:{الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ}[البقرة: ٤٦] وأختيها نقول إن الظن فيهن يفسَّر بالاعتقاد الذي هو الدرجة العليا من الظن، وهي درجة يقين دون درجة العِيان. حسب ما أسلفت، وحسب ما يأتي. ويؤيد هذا الذي أقول ما سبق به الإمامُ البيضاويّ حيث قال في هذه الآية {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}[البقرة: ٤٦]: أي يتوقعون لقاء اللَّه تعالى ونَيْلَ ما عنده، أو يتيقنون أنهم يحشرون إلى اللَّه فيجازيهم. ويؤيده أن في مصحف ابن مسعود (يعلمون)، وكان الظن لما أشبه العلمَ في الرجحان، أُطلق عليه؛ لتضمين معنى التوقع. قال أوس بن حجر: