مُخَالِفُونَ أَيْضًا لِضَرُورَةِ الْحِسِّ وَالذَّوْقِ وَضَرُورَةِ الْعَقْلِ وَالْقِيَاسِ فَإِنَّ أَحَدَهُمْ لَا بُدَّ أَنْ يَلْتَذَّ بِشَيْءِ وَيَتَأَلَّمَ بِشَيْءِ فَيُمَيِّزَ بَيْنَ مَا يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَمَا لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ وَبَيْنَ مَا يُؤْذِيه مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَمَا لَيْسَ كَذَلِكَ وَهَذَا التَّمْيِيزُ بَيْنَ مَا يَنْفَعُهُ وَيَضُرُّهُ هُوَ الْحَقِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ الدِّينِيَّةُ.
وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ الْبَشَرَ يَنْتَهِي إلَى حَدٍّ يَسْتَوِي عِنْدَهُ الْأَمْرَانِ دَائِمًا: فَقَدْ افْتَرَى وَخَالَفَ ضَرُورَةَ الْحِسِّ؛ وَلَكِنْ قَدْ يَعْرِضُ لِلْإِنْسَانِ بَعْضَ الْأَوْقَاتِ عَارِضٌ كَالسُّكْرِ وَالْإِغْمَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَشْغَلُ عَنْ الْإِحْسَاسِ بِبَعْضِ الْأُمُورِ فَأَمَّا أَنْ يَسْقُطَ إحْسَاسُهُ بِالْكُلِّيَّةِ مَعَ وُجُودِ الْحَيَاةِ فِيهِ فَهَذَا مُمْتَنِعٌ فَإِنَّ النَّائِمَ لَمْ يَفْقِدْ إحْسَاسَ نَفْسِهِ بَلْ يَرَى فِي مَنَامِهِ مَا يَسُوءُهُ تَارَةً وَمَا يَسُرُّهُ أُخْرَى فَالْأَحْوَالُ الَّتِي يُعَبَّرُ عَنْهَا بِالِاصْطِلَامِ وَالْفَنَاءِ وَالسُّكْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ إنَّمَا تَتَضَمَّنُ عَدَمَ الْإِحْسَاسِ بِبَعْضِ الْأَشْيَاءِ دُونَ بَعْضٍ فَهِيَ مَعَ نَقْصِ صَاحِبِهَا - لِضَعْفِ تَمْيِيزِهِ - لَا تَنْتَهِي إلَى حَدٍّ يَسْقُطُ فِيهِ التَّمْيِيزُ مُطْلَقًا وَمَنْ نَفَى التَّمْيِيزَ فِي هَذَا الْمَقَامِ مُطْلَقًا وَعَظَّمَ هَذَا الْمَقَامَ فَقَدْ غَلِطَ فِي الْحَقِيقَةِ الْكَوْنِيَّةِ وَالدِّينِيَّةِ: قَدْرًا وَشَرْعًا وَغَلِطَ فِي خَلْقِ اللَّهِ وَفِي أَمْرِهِ حَيْثُ ظَنَّ أَنَّ وُجُودَ هَذَا؛ لَا وُجُودَ لَهُ وَحَيْثُ ظَنَّ أَنَّهُ مَمْدُوحٌ وَلَا مَدْحَ فِي عَدَمِ التَّمْيِيزِ: الْعَقْلُ وَالْمَعْرِفَةُ. وَإِذَا سَمِعْت بَعْضَ الشُّيُوخِ يَقُولُ: أُرِيدُ أَنْ لَا أُرِيدَ أَوْ أَنَّ الْعَارِفَ لَا حَظَّ لَهُ وَأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْمَيِّتِ بَيْنَ يَدَيْ الْغَاسِلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذَا إنَّمَا يُمْدَحُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute