النَّظَرِ وَالِاعْتِبَارِ يُوجِبُ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَرْجُو إلَّا اللَّهَ وَلَا يَتَوَكَّلُ إلَّا عَلَيْهِ. وَأَمَّا كَوْنُهُ لَا يَخَافُ إلَّا ذَنْبَهُ فَلِمَا عُلِمَ مِنْ أَنَّهُ لَا تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ إلَّا بِذُنُوبِهِ وَهَذَا يُعْلَمُ بِآيَاتِ الْآفَاقِ وَالْأَنْفُسِ وَبِمَا أَخْبَرَ فِي كِتَابِهِ كَمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَبَيَّنَّا سِرَّ ذَلِكَ بِمَا لَا يَحْتَمِلُهُ هَذَا الْمَوْضِعُ. وَهَذَا تَحْقِيقُ مَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْإِلَهِيِّ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَبِّهِ أَنَّهُ قَالَ: {يَا عِبَادِي إنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ} فَبَيَّنَ أَنَّ كُلَّ مَا يَجِدُهُ الْعَبْدُ مِنْ الْخَيْرِ فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي أَنْعَمَ بِهِ وَأَنَّ مَا يَجِدُهُ مِنْ الشَّرِّ فَلَا يَلُومَنَّ فِيهِ إلَّا نَفْسَهُ. وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي إنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ} فَقَوْلُهُ: {أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ} اعْتِرَافٌ وَإِقْرَارٌ بِالنِّعْمَةِ وَقَوْلُهُ: {وَأَبُوءُ بِذَنْبِي} إقْرَارٌ بِالذَّنْبِ وَلِهَذَا قَالَ؛ مَنْ قَالَ مِنْ السَّلَفِ: إنِّي أُصْبِحُ بَيْنَ نِعْمَةٍ وَذَنْبٍ فَأُرِيدُ أَنْ أُحْدِثَ لِلنِّعْمَةِ شُكْرًا وَلِلذَّنْبِ اسْتِغْفَارًا لَكِنَّ الشُّكْرَ يَكُونُ بَعْدَ النِّعْمَةِ وَالتَّوَكُّلُ وَالرَّجَاءُ يَكُونُ قَبْلَ النِّعْمَةِ كَمَا قَالَ الْخَلِيلُ: {فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute