للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَلِهَذَا كَانَتْ الْمُرْجِئَةُ فِي الْجُمْلَةِ خَيْرًا مِنْ الْقَدَرِيَّةِ حَتَّى إنَّ الْإِرْجَاءَ دَخَلَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَغَيْرِهِمْ بِخِلَافِ الِاعْتِزَالِ. فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ فُقَهَاءِ السَّلَفِ وَأَئِمَّتِهِمْ.

فَصْلٌ:

فَإِذَا كَانَ الضَّلَالُ فِي الْقَدَرِ حَصَلَ تَارَةً بِالتَّكْذِيبِ بِالْقَدَرِ وَالْخَلْقِ. وَتَارَةً بِالتَّكْذِيبِ بِالشَّرْعِ وَالْوَعِيدِ وَتَارَةً بِتَظْلِيمِ الرَّبِّ كَانَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ رَدًّا عَلَى هَذِهِ الطَّوَائِفِ كُلِّهَا. فَقَوْلُهُ تَعَالَى {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} إثْبَاتٌ لِلْقَدَرِ بِقَوْلِهِ " فَأَلْهَمَهَا "؛ وَإِثْبَاتٌ لِفِعْلِ الْعَبْدِ بِإِضَافَةِ الْفُجُورِ وَالتَّقْوَى إلَى نَفْسِهِ لِيَعْلَمَ أَنَّهَا هِيَ الْفَاجِرَةُ وَالْمُتَّقِيَةُ؛ وَإِثْبَاتٌ لِلتَّفْرِيقِ بَيْنَ الْحَسَنِ وَالْقَبِيحِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ بِقَوْلِهِ {فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} . وَقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} إثْبَاتٌ لِفِعْلِ الْعَبْدِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ بِفَلَاحِ مَنْ زَكَّى نَفْسَهُ وَخَيْبَةِ مَنْ دَسَّاهَا. وَهَذَا صَرِيحٌ فِي الرَّدِّ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ الْمَجُوسِيَّةِ وَعَلَى الْجَبْرِيَّةِ لِلشَّرْعِ أَوْ لِفِعْلِ الْعَبْدِ وَهُمْ الْمُكَذِّبُونَ بِالْحَقِّ.