للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِالصَّانِعِ وَبِالشَّرْعِ الَّذِي مَبْنَاهُ عَلَى الْعَدْلِ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} . " وَفِي الصَّحِيحَيْنِ {عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ فِي فِدَاءِ أُسَارَى بَدْرٍ قَالَ: وَجَدْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ قَالَ: فَلَمَّا سَمِعْت هَذِهِ الْآيَةَ {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} ؟ أَحْسَسْت بِفُؤَادِي قَدْ انْصَدَعَ} . وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا تَقْسِيمٌ حَاصِرٌ ذَكَرَهُ اللَّهُ بِصِيغَةِ اسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِ لِيُبَيِّنَ أَنَّ هَذِهِ الْمُقَدِّمَاتِ مَعْلُومَةٌ بِالضَّرُورَةِ لَا يُمْكِنُ جَحْدُهَا يَقُولُ: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ} أَيْ: مِنْ غَيْرِ خَالِقٍ خَلَقَهُمْ؛ أَمْ هُمْ خَلَقُوا أَنْفُسَهُمْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ كِلَا النَّقِيضَيْنِ بَاطِلٌ؛ فَتَعَيَّنَ أَنَّ لَهُمْ خَالِقًا خَلَقَهُمْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَهُنَا طُرُقٌ كَثِيرَةٌ مِثْلُ أَنْ يُقَالَ: الْوُجُودُ إمَّا قَدِيمٌ وَإِمَّا مُحْدَثٌ وَالْمُحْدَثُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ قَدِيمٍ وَالْمَوْجُودُ إمَّا وَاجِبٌ وَإِمَّا مُمْكِنٌ وَالْمُمْكِنُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ وَاجِبٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَقَدْ لَزِمَ أَنَّ الْوُجُودَ فِيهِ مَوْجُودٌ قَدِيمٌ وَاجِبٌ بِنَفْسِهِ وَمَوْجُودٌ مُمْكِنٌ مُحْدَثٌ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ. وَهَذَانِ قَدْ اشْتَرَكَا فِي مُسَمَّى الْوُجُودِ وَهُوَ لَا يَعْقِلُ مَوْجُودًا فِي الشَّاهِدِ إلَّا جِسْمًا؛ فَلَزِمَهُ مَا أَلْزَمَهُ لِغَيْرِهِ مِنْ التَّشْبِيهِ وَالتَّجْسِيمِ الَّذِي ادَّعَاهُ.

فَعُلِمَ أَنَّ مَنْ نَفَى شَيْئًا مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ بِمِثْلِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ فَإِنَّ نَفْيَهُ بَاطِلٌ