للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَبَيْنَ بَعْضِ الْقَدَرِيَّةِ - وَهِيَ " تَوْبَةُ الْعَاجِزِ عَنْ الْفِعْلِ " كَتَوْبَةِ الْمَجْبُوبِ عَنْ الزِّنَا وَتَوْبَةِ الْأَقْطَعِ الْعَاجِزِ عَنْ السَّرِقَةِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْعَجْزِ؛ فَإِنَّهَا تَوْبَةٌ صَحِيحَةٌ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْقَدَرِيَّةِ؛ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَاجِزَ عَنْ الْفِعْلِ لَا يَصِحُّ أَنْ يُثَابَ عَلَى تَرْكِهِ الْفِعْلَ؛ بَلْ يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ بَلْ إرَادَةُ الْعَاجِزِ عَلَيْهَا الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ كَمَا بَيَّنَّا، وَبَيَّنَّا أَنَّ الْإِرَادَةَ الْجَازِمَةَ مَعَ الْقُدْرَةِ تَجْرِي مَجْرَى الْفَاعِلِ التَّامِّ فَهَذَا الْعَاجِزُ إذَا أَتَى بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ مُبَاعَدَةِ أَسْبَابِ الْمَعْصِيَةِ بِقَوْلِهِ وَعَمَلِهِ وَهِجْرَانِهَا وَتَرْكِهَا بِقَلْبِهِ كَالتَّائِبِ الْقَادِرِ عَلَيْهَا سَوَاءٌ فَتَوْبَةُ هَذَا الْعَاجِزِ عَنْ كَمَالِ الْفِعْلِ كَإِصْرَارِ الْعَاجِزِ عَنْ كَمَالِ الْفِعْلِ. وَمِمَّا يُبْنَى عَلَى هَذَا " الْمَسْأَلَةُ الْمَشْهُورَةُ فِي الطَّلَاقِ " وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَ فِي نَفْسِهِ وَجَزَمَ بِذَلِكَ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ. وَعِنْدَ مَالِك فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ يَقَعُ وَقَدْ اسْتَدَلَّ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ عَلَى تَرْكِ الْوُقُوعِ بِقَوْلِهِ: {إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا} فَقَالَ الْمُنَازِعُ: هَذَا الْمُتَجَاوَزُ عَنْهُ إنَّمَا هُوَ حَدِيثُ النَّفْسِ وَالْجَازِمُ بِذَلِكَ فِي النَّفْسِ لَيْسَ مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ ". فَقَالَ الْمُنَازِعُ لَهُمْ: قَدْ قَالَ {مَا لَمْ تُكَلِّمْ بِهِ أَوْ تَعْمَلْ بِهِ} فَأَخْبَرَ أَنَّ التَّجَاوُزَ عَنْ حَدِيثِ النَّفْسِ امْتَدَّ إلَى هَذِهِ الْغَايَةِ الَّتِي هِيَ الْكَلَامُ بِهِ