للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَمَّا الْعِلَّةُ الغائية: فَإِنَّهُ إنَّمَا خَلَقَهُ لِحِكْمَةِ هُوَ بِاعْتِبَارِهَا خَيْرٌ، وَإِنْ كَانَ شَرًّا إضَافِيًّا، فَإِذَا أُضِيفَ مُفْرَدًا تَوَهَّمَ الْمُتَوَهِّمُ مَذْهَبَ جَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الشَّرَّ الْمَحْضَ الَّذِي لَا خَيْرَ فِيهِ لِأَحَدِ، لَا لِحِكْمَةِ وَلَا لِرَحْمَةِ، وَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالِاعْتِبَارُ يُبْطِلُ هَذَا، كَمَا إذَا قِيلَ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ يَسْفِكُونَ الدِّمَاءَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ كَانَ هَذَا ذَمًّا لَهُمْ، وَكَانَ بَاطِلًا، وَإِذَا قِيلَ يُجَاهِدُونَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَيَقْتُلُونَ مَنْ مَنَعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ كَانَ هَذَا مَدْحًا لَهُمْ وَكَانَ حَقًّا. فَإِذَا قِيلَ: إنَّ الرَّبَّ تَعَالَى حَكِيمٌ رَحِيمٌ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، وَالْخَيْرُ بِيَدَيْهِ وَالشَّرُّ لَيْسَ إلَيْهِ، لَا يَفْعَلُ إلَّا خَيْرًا، وَمَا خَلَقَهُ مِنْ أَلَمٍ لِبَعْضِ الْحَيَوَانِ، وَمِنْ أَعْمَالِهِ الْمَذْمُومَةِ، فَلَهُ فِيهِ حِكْمَةٌ عَظِيمَةٌ وَنِعْمَةٌ جَسِيمَةٌ، كَانَ هَذَا حَقًّا وَهُوَ مَدْحٌ لِلرَّبِّ. وَأَمَّا إذَا قِيلَ يَخْلُقُ الشَّرَّ الَّذِي لَا خَيْرَ فِيهِ، وَلَا مَنْفَعَةَ لِأَحَدِ، وَلَا لَهُ فِيهِ حِكْمَةٌ وَلَا رَحْمَةٌ وَيُعَذِّبُ النَّاسَ بِلَا ذَنْبٍ لَمْ يَكُنْ مَدْحًا لَهُ بَلْ الْعَكْسُ، وَقَدْ بَيَّنَّا بَعْضَ مَا فِي خَلْقِ جَهَنَّمَ وَإِبْلِيسَ وَالسَّيِّئَاتِ مِنْ الْحِكْمَةِ وَالرَّحْمَةِ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ أَعْظَمُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَسْتَحِقُّ الْحَمْدَ وَالْحُبَّ وَالرِّضَا لِذَاتِهِ وَلِإِحْسَانِهِ هَذَا حَمْدُ شُكْرٍ، وَذَاكَ حَمْدٌ مُطْلَقًا. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي غَيْرِ هَذَا أَنَّ مَا خَلَقَهُ فَهُوَ نِعْمَةٌ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهَا الشُّكْرَ، وَهُوَ مِنْ آلَائِهِ وَلِهَذَا قَالَ فِي آخِرِ سُورَةِ النَّجْمِ: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى}