للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَصْلٌ:

وَصَارَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ غَلَّطُوا مَذْهَبَ " اللَّفْظِيَّةِ " وَزَادُوا فِيهِ شَرًّا كَثِيرًا إذْ قَالُوا: " الْقِرَاءَةُ " غَيْرُ الْمَقْرُوءِ وَ " التِّلَاوَةُ " غَيْرُ الْمَتْلُوِّ وَ " الْكِتَابَةُ " غَيْرُ الْمَكْتُوبِ إنَّمَا يَعْنُونَ بِالْقِرَاءَةِ أَصْوَاتَ الْقَارِئِينَ وب " الْكِتَابَةِ " مِدَادَ الْكَاتِبِينَ وَيَعْنُونَ أَنَّ هَذَا غَيْرُ الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِالذَّاتِ الَّذِي هُوَ كَلَامُ اللَّهِ وَإِنَّمَا هُوَ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ وَعِبَارَةٌ عَنْهُ؛ وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ إلَّا قِرَاءَةٌ وَمَقْرُوءٌ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا صَوْتٌ وَمِدَادٌ وَمَعْنًى قَائِمٌ بِالذَّاتِ؛ لَيْسَ ثَمَّ قُرْآنٌ غَيْرُ ذَلِكَ. وَأَسْقَطُوا حُرُوفَ كَلَامِ اللَّهِ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا وَحَقِيقَةُ مَعَانِي الْقُرْآنِ الَّتِي فِي نَفْسِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَسْقَطُوا أَيْضًا مَعَانِيَ الْقُرْآنِ الَّتِي فِي نُفُوسِ الْقَارِئِينَ وَالْمُسْتَمِعِينَ؛ فَإِنَّهُ لَا رَيْبَ أَنَّ الْقُرْآنَ الَّذِي نَقْرَؤُهُ فِيهِ حُرُوفٌ وَمَعَانِي حُرُوفٍ مَنْطُوقَةٍ وَمَسْطُورَةٍ؛ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ إلَّا صَوْتُ الْعَبْدِ وَحِبْرُ الْمُصْحَفِ فَأَيْنَ الْمَعَانِي؟ وَأَيْنَ حُرُوفُ الْقُرْآنِ الَّتِي أَنْزَلَهَا اللَّهُ؟ وَإِنْ كَانَتْ عِنْدَهُمْ مَخْلُوقَةً. وَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ لَا يَكُونَ لِجَمِيعِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْكُتُبِ إلَّا مَعْنًى وَاحِدٌ يَكُونُ أَمْرًا وَنَهْيًا وَوَعْدًا وَوَعِيدًا