أُصُولِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ وَكُلُّ مَنْ كَانَ أَعْظَمَ اعْتِصَامًا بِهَذَا الْأَصْلِ كَانَ أَوْلَى بِالْحَقِّ عِلْمًا وَعَمَلًا وَمَنْ كَانَ أَبْعَدَ عَنْ الْحَقِّ عِلْمًا وَعَمَلًا: كَالْقَرَامِطَةِ والمتفلسفة الَّذِينَ يَظُنُّونَ: أَنَّ الرُّسُلَ مَا كَانُوا يَعْلَمُونَ حَقَائِقَ الْعُلُومِ الْإِلَهِيَّةِ وَالْكُلِّيَّةِ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ ذَلِكَ بِزَعْمِهِمْ مَنْ يَعْرِفُهُ مِنْ الْمُتَفَلْسِفَةِ وَيَقُولُونَ: خَاصَّةُ النُّبُوَّةِ هِيَ التَّخْيِيلُ وَيَجْعَلُونَ النُّبُوَّةَ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ كَمَا يَقُولُ هَذَا وَنَحْوَهُ الْفَارَابِيُّ وَأَمْثَالُهُ مِثْلَ مُبَشِّرِ ابْنِ فَاتِكٍ وَأَمْثَالِهِ مِنْ الْإِسْمَاعِيلِيَّة. وَآخَرُونَ يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّ الرَّسُولَ عَلِمَ الْحَقَائِقَ لَكِنْ يَقُولُونَ: لَمْ يُبَيِّنْهَا بَلْ خَاطَبَ الْجُمْهُورَ بِالتَّخْيِيلِ فَيَجْعَلُونَ التَّخْيِيلَ فِي خِطَابِهِ لَا فِي عِلْمِهِ كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ ابْنُ سِينَا وَأَمْثَالُهُ. وَآخَرُونَ يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّ الرُّسُلَ عَلِمُوا الْحَقَّ وَبَيَّنُوهُ لَكِنْ يَقُولُونَ: لَا يُمْكِنْ مَعْرِفَتُهُ مِنْ كَلَامِهِمْ بَلْ يُعْرَفُ بِطَرِيقٍ آخَرَ: إمَّا الْمَعْقُولُ عِنْدَ طَائِفَةٍ؛ وَإِمَّا الْمُكَاشَفَةُ عِنْدَ طَائِفَةٍ؛ إمَّا قِيَاسٌ فَلْسَفِيٌّ؛ وَإِمَّا خَيَالٌ صُوفِيٌّ. ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُنْظَرُ فِي كَلَامِ الرَّسُولِ فَمَا وَافَقَ ذَلِكَ قُبِلَ وَمَا خَالَفَهُ؛ إمَّا أَنْ يُفَوَّضَ؛ وَإِمَّا أَنْ يُؤَوَّلَ. وَهَذِهِ طَرِيقَةُ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ الْجَهْمِيَّة وَالْمُعْتَزِلَةِ؛ وَهِيَ طَرِيقَةُ خِيَارِ الْبَاطِنِيَّةِ وَالْفَلَاسِفَةِ الَّذِينَ يُعَظِّمُونَ الرَّسُولَ وَيُنَزِّهُونَهُ عَنْ الْجَهْلِ وَالْكَذِبِ لَكِنْ يَدْخُلُونَ فِي التَّأْوِيلِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute