فَالْوَاجِبُ أَنَّ هَذِهِ الْأَنْوَاعَ لَا يُفَضَّلُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ إلَّا بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ لَا يُجْعَلُ نَفْسُ تَعْيِينٍ وَاحِدٍ مِنْهَا لِضَرُورَةِ أَدَاءِ الْعِبَادَةِ مُوجِبًا لِرُجْحَانِهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ إذَا أَوْجَبَ عَلَيَّ عِتْقَ رَقَبَةٍ أَوْ صَلَاةَ جَمَاعَةٍ كَانَ مِنْ ضَرُورَةِ ذَلِكَ أَنْ أَعْتِقَ رَقَبَةً وَأُصَلِّيَ جَمَاعَةً وَلَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهَا بَلْ قَدْ لَا تَكُونُ أَفْضَلَ بِحَالِ فَلَا بُدَّ مِنْ نَظَرٍ فِي الْفَضْلِ ثُمَّ إذَا فُرِضَ أَنَّ الدَّلِيلَ الشَّرْعِيَّ يُوجِبُ الرُّجْحَانَ لَمْ يُعَبْ عَلَى مَنْ فَعَلَ الْجَائِزَ وَلَا يُنْفَرْ عَنْهُ لِأَجْلِ ذَلِكَ وَلَا يُزَادُ الْفَضْلُ عَلَى مِقْدَارِ مَا فَضَّلَتْهُ الشَّرِيعَةُ فَقَدْ يَكُونُ الرُّجْحَانُ يَسِيرًا. لَكِنْ هُنَا مَسْأَلَةٌ تَابِعَةٌ وَهُوَ أَنَّهُ مَعَ التَّسَاوِي أَوْ الْفَضْلِ أَيُّمَا أَفْضَلُ لِلْإِنْسَانِ الْمُدَاوَمَةُ عَلَى نَوْعٍ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَنْ يَفْعَلَ هَذَا تَارَةً وَهَذَا تَارَةً كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ. فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُدَاوِمُ عَلَى نَوْعٍ مِنْ ذَلِكَ مُخْتَارًا لَهُ أَوْ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ أَفْضَلُ وَيَرَى أَنَّ مُدَاوَمَتَهُ عَلَى ذَلِكَ النَّوْعِ أَفْضَلُ. وَأَمَّا أَكْثَرُهُمْ فَمُدَاوَمَتُهُ عَادَةٌ وَمُرَاعَاةٌ لِعَادَةِ أَصْحَابِهِ وَأَهْلِ طَرِيقَتِهِ لَا لِاعْتِقَادِ الْفَضْلِ. وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: التَّنَوُّعُ فِي ذَلِكَ مُتَابَعَةٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ فِي هَذَا اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَإِحْيَاءً لِسُنَّتِهِ وَجَمْعًا بَيْنَ قُلُوبِ الْأُمَّةِ وَأَخْذًا بِمَا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَاصَّةِ - أَفْضَلُ مِنْ الْمُدَاوَمَةِ عَلَى نَوْعٍ مُعَيَّنٍ لَمْ يُدَاوِمْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِوُجُوهِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute