فَصْلٌ:
وَأَمَّا تَقْدِيرُ الْحَاكِمِ النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ فَهَذَا يَكُونُ عِنْدَ التَّنَازُعِ فِيهَا كَمَا يُقَدِّرُ مَهْرَ الْمِثْلِ إذَا تَنَازَعَا فِيهِ وَكَمَا يُقَدِّرُ مِقْدَارَ الْوَطْءِ إذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ يَضْرِبُهَا؛ فَإِنَّ الْحُقُوقَ الَّتِي لَا يُعْلَمُ مِقْدَارُهَا إلَّا بِالْمَعْرُوفِ مَتَى تَنَازَعَ فِيهَا الْخَصْمَانِ قَدَّرَهَا وَلِيُّ الْأَمْرِ. وَأَمَّا الرَّجُلُ إذَا كَانَ يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ بِالْمَعْرُوفِ كَمَا جَرَتْ عَادَةُ مِثْلِهِ لِمِثْلِهَا: فَهَذَا يَكْفِي وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرِ الْحَاكِمِ. وَلَوْ طَلَبَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ يَفْرِضَ لَهَا نَفَقَةً يُسَلِّمُهَا إلَيْهَا مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهَا بِالْمَعْرُوفِ فَالصَّحِيحُ مِنْ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّهُ لَا يَفْرِضُ لَهَا نَفَقَةً وَلَا يَجِبُ تَمْلِيكُهَا ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ؛ فَإِنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالِاعْتِبَارُ الْمَبْنِيُّ عَلَى الْعَدْلِ. وَالصَّوَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ مَرْجِعُهَا إلَى الْعُرْفِ وَلَيْسَتْ مُقَدَّرَةً بِالشَّرْعِ؛ بَلْ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْبِلَادِ وَالْأَزْمِنَةِ وَحَالِ الزَّوْجَيْنِ وَعَادَتِهِمَا؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " {خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ} " وَقَالَ: {لَهُنَّ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute