للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَالْأَسْبَابُ الْعَارِضَةُ لِغَلَطِ الْحِسِّ الْبَاطِنِ أَوْ الظَّاهِرِ وَالْعَقْلِ: بِمَنْزِلَةِ الْمَرَضِ الْعَارِضِ لِحَرَكَةِ الْبَدَنِ وَالنَّفْسِ وَالْأَصْلُ هُوَ الصِّحَّةُ فِي الْإِدْرَاكِ وَفِي الْحَرَكَةِ. فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ عِبَادَهُ عَلَى الْفِطْرَةِ. وَهَذِهِ الْأُمُورُ يُعْلَمُ الْغَلَطُ فِيهَا بِأَسْبَابِهَا الْخَاصَّةِ؛ كَالْمُرَّةِ الصَّفْرَاءِ الْعَارِضَةِ لِلطَّعْمِ وَكَالْحَوَلِ فِي الْعَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَإِلَّا فَمَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ عَلَى مَا يَجْزِمُ بِهِ وَجَدَ أَكْثَرَ النَّاسِ الَّذِينَ يَجْزِمُونَ بِمَا لَا يُجْزَمُ بِهِ إنَّمَا جَزْمُهُمْ لِنَوْعِ مِنْ الْهَوَى كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} وَقَالَ: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} . وَلِهَذَا تَجِدُ الْيَهُودَ يُصَمِّمُونَ وَيُصِرُّونَ عَلَى بَاطِلِهِمْ لِمَا فِي نُفُوسِهِمْ مِنْ الْكِبْرِ وَالْحَسَدِ وَالْقَسْوَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَهْوَاءِ. وَأَمَّا النَّصَارَى فَأَعْظَمُ ضَلَالًا مِنْهُمْ وَإِنْ كَانُوا فِي الْعَادَةِ وَالْأَخْلَاقِ أَقَلَّ مِنْهُمْ شَرًّا فَلَيْسُوا جَازِمِينَ بِغَالِبِ ضَلَالِهِمْ بَلْ عِنْدَ الِاعْتِبَارِ تَجِدُ مَنْ تَرَكَ الْهَوَى مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ وَنَظَرَ نَوْعَ نَظَرٍ تَبَيَّنَ لَهُ الْإِسْلَامُ حَقًّا. وَالْمَقْصُودُ هُنَا: أَنَّ مَعْرِفَةَ الْإِنْسَانِ بِكَوْنِهِ يَعْلَمُ أَوْ لَا يَعْلَمُ: مَرْجِعُهُ إلَى وُجُودِ نَفْسِهِ عَالِمَةً. وَلِهَذَا لَا نَحْتَجُّ عَلَى مُنْكِرِ الْعِلْمِ إلَّا بِوُجُودِنَا نُفُوسَنَا عَالِمَةً؛ كَمَا احْتَجُّوا عَلَى مُنْكِرِي الْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ بِأَنَّا نَجِدُ نُفُوسَنَا عَالِمَةً بِذَلِكَ وَجَازِمَةً بِهِ كَعِلْمِنَا وَجَزْمِنَا بِمَا أَحْسَسْنَاهُ. وَجَعَلَ الْمُحَقِّقُونَ وُجُودَ الْعِلْمِ بِخَبَرِ مِنْ الْأَخْبَارِ هُوَ الضَّابِطُ فِي حُصُولِ التَّوَاتُرِ؛ إذْ لَمْ يَحُدُّوهُ بِعَدَدِ وَلَا صِفَةٍ؛ بَلْ مَتَى حَصَلَ الْعِلْمُ كَانَ هُوَ الْمُعْتَبَرَ، وَالْإِنْسَانُ يَجِدُ نَفْسَهُ عَالِمَةً وَهَذَا حَقٌّ.