للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَمَّا وُجُوبُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ لِمَنْ خَلَّصَهُ. فَهَذَا فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ. أَصَحُّهُمَا وُجُوبُ الْأُجْرَةِ وَهُوَ مَنْصُوصُ أَحْمَد وَغَيْرِهِ لِأَنَّ هَذَا الْمُخَلِّصَ مُتَبَرِّعٌ. وَأَصْحَابُ الْقَوْلِ يَقُولُونَ: إنْ خَلَّصُوهُ لِلَّهِ تَعَالَى فَأَجْرُهُمْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ خَلَّصُوهُ لِأَجْلِ الْعِوَضِ فَلَهُمْ الْعِوَضُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ لَمْ يُفْعَلْ لَأَفْضَى إلَى هَلَاكِ الْأَمْوَالِ؛ لَأَنَّ النَّاسَ لَا يُخَلِّصُونَهَا مِنْ الْمَهَالِكِ إذَا عَرَفُوا أَنَّهُمْ لَا فَائِدَةَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ وَالصَّحَابَةُ قَدْ قَالُوا فِيمَنْ اشْتَرَى أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْكُفَّارِ: إنَّهُ يَأْخُذُهُ مِمَّنْ اشْتَرَاهُ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي خَلَّصَهُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ وَلِأَنَّ هَذَا الْمَالَ كَانَ مُسْتَهْلَكًا لَوْلَا أَخْذُ هَذَا وَتَخْلِيصُهُ عَمَلٌ مُبَاحٌ؛ لَيْسَ هُوَ عَاصِيًا فِيهِ فَيَكُونُ الْمَالُ إذَا حَصَلَ بِعَمَلِ هَذَا وَالْأَصْلُ لِهَذَا فَيَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا؛ لَكِنْ لَا تَجِبُ الشَّرِكَةُ عَلَى الْمُعَيَّنِ؛ فَيَجِبُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَلِأَنَّ مِثْلَ هَذَا مَأْذُونٌ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الْعُرْفِ؛ فَإِنَّ عَادَةَ النَّاسِ أَنَّهُمْ يَطْلُبُونَ مَنْ يُخَلِّصُ لَهُمْ هَذَا بِالْأُجْرَةِ. وَالْإِجَارَةُ تَثْبُتُ بِالْعُرْفِ وَالْعَادَةِ كَمَنْ دَخَلَ إلَى حَمَّامٍ أَوْ رَكِبَ فِي سَفِينَةٍ بِغَيْرِ مُشَارَطَةٍ وَكَمَنَ دَفَعَ طَعَامًا إلَى طَبَّاخٍ وَغَسَّالٍ بِغَيْرِ مُشَارَطَةٍ وَنَظَائِرُ ذَلِكَ مُتَعَدِّدَةٌ. وَلَوْ كَانَ الْمَالُ حَيَوَانًا فَخَلَّصَهُ مِنْ مَهْلَكَةٍ مَلَكَهُ كَمَا وَرَدَ بِهِ الْأَثَرُ؛ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ لَهُ حُرْمَةٌ فِي نَفْسِهِ؛ بِخِلَافِ الْمَتَاعِ؛ فَإِنَّ حُرْمَتَهُ لِحُرْمَةِ صَاحِبِهِ فَهُنَاكَ تَخْلِيصُهُ لِحَقِّ الْحَيَوَانِ وَهُوَ بِالْمَهْلَكَةِ قَدْ يَيْأَسُ صَاحِبُهُ؛