وَأَمَّا الْقَائِلُونَ بِقِدَمِ الْكَلَامِ الْمُعَيَّنِ سَوَاءٌ كَانَ مَعْنًى أَوْ حُرُوفًا أَوْ أَصْوَاتًا فَيَقُولُونَ: خَلَقَ لِمُوسَى إدْرَاكًا أَدْرَكَ بِهِ ذَلِكَ الْقَدِيمَ وَبِكُلِّ حَالٍ فَكَلَامُ الْمُتَكَلِّمِ إذَا سُمِّعَ مِنْ الْمُبَلِّغِ عَنْهُ غَيْرُ مَا قَامَ بِنَفْسِ الْمُتَكَلِّمِ الْمُنْشِئِ فَكَيْفَ لَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى؟ . فَيَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ فِي " مَسْأَلَةِ الْكَلَامِ " أَنْ يَتَحَرَّى أَصْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا تَكَلُّمُ اللَّهِ بِالْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ هَلْ تَكَلَّمَ بِهِ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ أَمْ لَا؟ وَهَلْ تَكَلَّمَ بِكَلَامِ قَائِمٍ بِذَاتِهِ أَمْ خَلَقَهُ فِي غَيْرِهِ؟ وَالثَّانِي تَبْلِيغُ ذَلِكَ الْكَلَامِ عَنْ اللَّهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يَتَّصِفُ بِهِ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ بِالتَّبْلِيغِ الْكَلَامَ الْمُبَلَّغَ. وَبَسْطُ هَذَا لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ. وَأَيْضًا فَهَذَانِ الْمُتَنَازِعَانِ إذَا قَالَ أَحَدُهُمَا: إنَّهَا قَدِيمَةٌ وَلَيْسَ لَهَا مُبْتَدَأٌ وَشَكْلُهَا وَنَقْطُهَا مُحْدَثٌ وَقَالَ الْآخَرُ: إنَّهَا لَيْسَتْ بِكَلَامِ اللَّهِ وَإِنَّهَا مَخْلُوقَةٌ بِشَكْلِهَا وَنَقْطِهَا قَدْ يُفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّهُمَا أَرَادَا بِالْحُرُوفِ الْحُرُوفَ الْمَكْتُوبَةَ دُونَ الْمَنْطُوقَةِ وَالْحُرُوفُ الْمَكْتُوبَةُ قَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ فِي شَكْلِهَا وَنَقْطِهَا فَإِنَّ الصَّحَابَةَ لَمَّا كَتَبُوا الْمَصَاحِفَ كَتَبُوهَا غَيْرَ مَشْكُولَةٍ وَلَا مَنْقُوطَةٍ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا كَانُوا يَعْتَمِدُونَ فِي الْقُرْآنِ عَلَى حِفْظِهِ فِي صُدُورِهِمْ لَا عَلَى الْمَصَاحِفِ وَهُوَ مَنْقُولٌ بِالتَّوَاتُرِ مَحْفُوظٌ فِي الصُّدُورِ وَلَوْ عُدِمَتْ الْمَصَاحِفُ لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ بِهَا حَاجَةٌ فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ لَيْسُوا كَأَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَعْتَمِدُونَ عَلَى الْكُتُبِ الَّتِي تَقْبَلُ التَّغَيُّرَ وَاَللَّهُ أَنْزَلَ الْقُرْآنَ عَلَى مُحَمَّدٍ فَتَلَقَّاهُ تَلَقِّيًا وَحَفِظَهُ فِي قَلْبِهِ لَمْ يُنَزِّلْهُ مَكْتُوبًا كَالتَّوْرَاةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute