يَدْنُو عَشِيَّةَ عَرَفَةَ فَيُبَاهِي الْمَلَائِكَةَ بِأَهْلِ الْمَوْقِفِ فَيَقُولُ: اُنْظُرُوا إلَى عِبَادِي أَتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟} وَشَعَثُ الرَّأْسِ وَاغْبِرَارُهُ لَا يَكُونُ مَعَ تَخْمِيرِهِ؛ فَإِنَّ الْمُخَمَّرَ لَا يُصِيبُهُ الْغُبَارُ وَلَا يُشَعَّثُ بِالشَّمْسِ وَالرِّيحِ وَغَيْرِهِمَا؛ وَلِهَذَا كَانَ مَنْ لَبَّدَ رَأْسَهُ يَحْصُلُ لَهُ نَوْعُ مُتْعَةٍ بِذَلِكَ يُؤْمَرُ بِالْحَلْقِ فَلَا يُقَصِّرُ وَهَذَا بِخِلَافِ الْقُعُودِ فِي ظِلٍّ أَوْ سَقْفٍ أَوْ خَيْمَةٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ ثَوْبٍ يُظَلَّلُ بِهِ؛ فَإِنَّ هَذَا جَائِزٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الشَّعَثَ وَلَا الِاغْبِرَارَ وَلَيْسَ فِيهِ تَخْمِيرُ الرَّأْسِ. وَإِنَّمَا تَنَازَعَ النَّاسُ فِيمَنْ يَسْتَظِلُّ بِالْمَحْمَلِ؛ لِأَنَّهُ مُلَازِمٌ لِلرَّاكِبِ كَمَا تُلَازِمُهُ الْعِمَامَةُ لَكِنَّهُ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ فَمَنْ نَهَى عَنْهُ اعْتَبَرَ مُلَازَمَتَهُ لَهُ وَمَنْ رَخَّصَ فِيهِ اعْتَبَرَ انْفِصَالَهُ عَنْهُ. فَأَمَّا الْمُنْفَصِلُ الَّذِي لَا يُلَازِمُ فَهَذَا يُبَاحُ بِالْإِجْمَاعِ. وَالْمُتَّصِلُ الْمُلَازِمُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ.
وَمَنْ لَمْ يَلْحَظْ الْمَعَانِيَ مِنْ خِطَابِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَلَا يَفْهَمُ تَنْبِيهَ الْخِطَابِ وَفَحْوَاهُ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ؛ كَاَلَّذِينَ يَقُولُونَ: إنَّ قَوْلَهُ: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} لَا يُفِيدُ النَّهْيَ عَنْ الضَّرْبِ. وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ دَاوُد؛ وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَزْمٍ وَهَذَا فِي غَايَةِ الضَّعْفِ بَلْ وَكَذَلِكَ قِيَاسُ الْأَوْلَى وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ الْخِطَابُ لَكِنْ عُرِفَ أَنَّهُ أَوْلَى بِالْحُكْمِ مِنْ الْمَنْطُوقِ بِهَذَا فَإِنْكَارُهُ مِنْ بِدَعِ الظَّاهِرِيَّةِ الَّتِي لَمْ يَسْبِقْهُمْ بِهَا أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ فَمَا زَالَ السَّلَفُ يَحْتَجُّونَ بِمِثْلِ هَذَا وَهَذَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute